للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قولهم: "إنك تحذف الواو والياء والإلف من نحو: اغز، وارم، واخش، ما تحذفها من نحو: لم يغز، ولم يرم، ولم يخش" قلنا: إنما حذفت هذه الأحرف التي هي الواو والياء والألف للبناء، لا للإعراب والجزم، حملًا للفعل المعتل على الصحيح، وذلك أنه لما استوى الفعل المجزوم الصحيح وفعل الأمر الصحيح، كقولك "لم يفعل وافعل يا فتى" وإن كان أحدهما مجزومًا والآخر ساكنًا سوِّيَ بينهما في الفعل المعتل، وإنما وجب حذفها في الجزم لأن هذه الأحرف التي هي الواو والياء والألف جرت مجرى الحركات لأنها تشبهها، وهي مركبة منها في قول بعض النحويين، والحركات مأخوذة منها في قول آخرين، وعلى كلا القولين فقد وجدت المشابهة بينهما، وكما أن الحركات تحذف للجزم، فكذلك هذه الأحرف، فلما وجب حذف هذه الأحرف في المعتل للجزم، فكذلك يجب حذفها من المعتل للبناء؛ حملًا للمعتل على الصحيح؛ لأن الصحيح هو الأصل، والمعتل فرع عليه؛ فحذف حملًا للفرع على الأصل.

والذي يدل على صحة ما ذكرناه وأنه ليس مجزومًا بلام مقدرة أن حرف الجر لا يعمل مع الحذف، فحرف الجزم أولى.

قولهم "إنكم تذهبون إلى أن رب تعمل الخفض مع الحذف بعد الواو والفاء وبل" قلنا: إنما جاز ذلك لأن فيما بقي من هذه الأحرف دليلًا على ما ألقي وبيانًا عنه، فلما كانت هذه الأحرف دليلًا عليه وبيانا عنه جاز حذفه؛ لأن المحذوف بهذه المثابة في حكم الثابت، بخلاف حرف الجزم؛ فإنه حذف وليس في اللفظ حرف يدل عليه ولا يبين عنه، فبان الفرق بينهما.

وأما قولهم "إنكم تذهبون إلى أن حرف الشرط يعمل مع الحذف في ستة مواضع، وهي الأمر والنهي والدعاء والاستفهام والتمني والعرض" قلنا: الجواب عن هذا من وجهين:

أحدهما: أنا لا نسلم حذف حرف الشرط في هذه المواضع، ولا أن الفعل مجزوم بتقدير حرف الشرط، وإنما هو مجزوم لأنه جواب لهذه الأشياء التي هي الأمر والنهي والدعاء والاستفهام والتمني والعرض، وهذا الوجه ذكره بعض النحويين، وليس بصحيح؛ لأنك لو حملت الكلام على ظاهره من غير تقدير حرف الشرط لكان ذلك يؤدي إلى محال، ألا ترى أنك إذا قلت: "ايتني آتك" كان الأمر بالإتيان موجبًا للإتيان، وإذا قلت: "لا تفعل يكن خيرًا" كان النهي عن الفعل موجبًا للخير، وإذا قلت: "اللهم ارزقني بعيرا أحجَّ عليه" كان الدعاء بالرزق موجبًا للحج، وإذا قلت: "أين بيتك أزرْك" كان الاستفهام عن بيته موجبًا للزيارة، وإذا قلت: "ألا

<<  <  ج: ص:  >  >>