للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ماء أشربْه" كان التمني للماء موجبًا للشرب، وإذا قلت "ألا تنزل عندنا أكرمْك" كان العرض موجبًا للكرامة، وذلك محال؛ لأن الأمر بالإتيان لا يكون موجبًا للإتيان وإنما يوجبه الإتيان؛ والنهي عن الفعل لا يكون موجبًا للخير، وإنما يوجبه الانتهاء، والدعاء بالرزق لا يكون موجبًا للحج، وإنما يوجبه الرزق، والاستفهام عن بيته لا يكون موجبًا للزيارة، وإنما يوجبه التعريف، والتمني للماء لا يكون موجبًا للشرب، وإنما يوجبه وجوده، والعرض بالنزول لا يكون موجبًا للكرامة، وإنما يوجبه النزول؛ فدل على أن حرف الشرط فيها كلها مقدر، وأن التقدير: ايتني فإنك إن تأتني آتك، ولا تفعل فإنك إن لا تفعل يكن خيرًا لك، واللهم ارزقني بعيرًا فإنك إن ترزقني بعيرًا أحج عليه، وأين بيتك فإنك إن تعرِّفْنِي بيتك أزرك، وألا ماء فإن يك ماء أشربه، وألا تنزل فإنك إن تنزل أكرمك؛ فدلّ على أن هذا الوجه الذي ذكره بعضهم عن تعري الكلام عن تقدير حرف الشرط ليس بصحيح.

والوجه الثاني: وهو الصحيح -أنا نسلم تقدير حرف الشرط، وأنه حذف، وإنما حذف لدلالة هذه الأشياء عليه، فصار في حكم ثابت على ما بيَّنَّا في حذف رُبَّ.

وأما قولهم "إن إعمال حرف الجزم مع حذف الحرف قد جاء كثيرًا، وأنشدوا الأبيات التي رووها" فنقول: أما قوله:

[٣٥٠]

محمد تَفْدِ نفسك كُلُّ نفس ... إذا ما خفت من أمر تَبَالَا

فقد أنكره أبو العباس محمد بن يزيد المُبَرِّد، ولئن سلمنا صحته -وهو الصحيح- فنقول: قوله "تفد نفسك" ليس مجزومًا بلام مقدرة، وليس الأصل فيه لتفد نفسك، وإنما الأصل: تفدي نفسك، من غير تقدير لام، وهو خبر يراد به الدعاء، كقولهم: غفر الله لك، ويرحمك الله، وإنما حذف الياء لضرورة الشعر اجتزاء بالكسرة عن الياء، كما قال الأعشى:

[٢٤٧]

وأخو الغَوَانِ متى يشأ يَصْرِمْنَهَ ... ويَصِرْنَ أعداء بُعَيْدَ وِدَادِ

أراد "الغواني" فاجتزأ بالكسرة عن الياء، وقال الآخر:

[٣٦٤]

فما وَجَدَ النَّهْدِيُّ وَجْدًا وَجَدْتُهُ ... ولا وَجَدَ العُذْرِيُّ قبل جَمِيلُ


[٣٦٤] النهدي: المنسوب إلى نهد -بفتح النون وسكون الهاء- وهي قبيلة من قبائل اليمن يرجع نسبها إلى قضاعة، فهي نهد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة، والعذري: المنسوب إلى عذرة -بضم العين وسكون الذال المعجمة- وهي قبيلة عظيمة =

<<  <  ج: ص:  >  >>