للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتقدير فيه: يقول إن أتاه خليل يوم مسألة، ولولا أنه في تقدير التقديم، وإلا لما جاز أن يكون مرفوعًا، وقال الآخر:

[٤٠٣]

فَلَمَ أَرْقِهِ إِنْ يَنْجُ مِنْهَا، وإِنْ يَمُتْ ... فطعنةُ لا غُسٍّ ولا بِمُغَمَّرِ

والتقدير فيه: إن ينج فلم أرقه، فقدَّمه في الموضع الذي يستحقه في الأصل،


= الخاء وتشديد اللام وهو الفقر، ومن أمثال العرب "الخلة تدعو إلى السلّة" أي الفقر يدعو إلى السرقة، ويوم مسألة: يروى في مكانه "يوم مسغبة" وقوله "لا غائب مالي" يريد أنه لا يعتذر للمحتاج بأن ماله غائب، وقوله "ولا حرم" هو بفتح الحاء المهملة وكسر الراء، ومعناه المحروم، وهو على تقدير مبتدأ، أي ولا أنت محروم؛ ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "يقول" فإنه فعل مضارع وقع بعد أداة شرط وفعل شرط ماضٍ؛ وقد جاء هذا المضارع مرفوعًا؛ فأما سيبويه فيرى أن هذا المضارع ليس هو جواب الشرط، ولكنه دليل على الجواب، وهو على نية التقديم وإن كان متأخرًا في اللفظ، فكأنه قال: يقول: لا غائب مالي ولا حرم إن أتاه خليل، وأما أبو العباس المبرد فيذكر أن هذا المضارع هو نفس الجواب؛ لكنه على تقدير فاء الربط، وكأن الشاعر قد قال: إن أتاه خليل يوم مسألة فهو يقول لا غائب مالي ... إلخ؛ وقد وافق أبو العباس ذلك مذهب الكوفيين وأبي زيد؛ وقد رجحه العلامة موفق الدين بن يعيش؛ قال "فسيبويه يتأوله على إرادة التقديم، كأن المعنى: يقول إن أتاه خليل، وقد استضعف؛ والجيد أن يكون على إرادة الفاء، فكأنه قال: فيقول" ا. هـ.
[٤٠٣] هذا البيت لزهير بن مسعود، وقد أنشده ابن منظور في لسان العرب "غ س س" وقد أنشده ابن جني في الخصائص "٢/ ٣٨٨" وأبو زيد في النوادر "ص٧" ثاني بيتين، والغس -بضم الغين وتشديد السين المهملة- الضعيف اللئيم من الرجال، وجمعه أغساس وغساس -بوزن رجال- وغسوس، وقال ابن الأعرابي: هم الضعفاء في آرائهم وعقولهم، والمغمر -بضم الميم الأولى وتشديد الثانية مفتوحة- هو الذي لم يجرب الأمور والناس يستجهلونه، ومثله الغمر -بفتح أوله وثانيه ساكن أو مفتوح أو مكسور، وبضم أوله مع سكون ثانيه- وقال ابن سيده: هو من لا غناء عنده ولا رأي، وقال ابن الأثير: هو الجاهل الغرّ الذي لم يجرب الأمور. ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "فلم أرقه أن ينج منها" حيث قدم ما يصلح أن يكون جوابا على أداة الشرط، ألا ترى أنه لو قال "إن ينج منها فلم أرقه" لصح الكلام، فتقديم الشاعر ما يصلح أن يكون جوابا يدل على أن هذا هو موضعه من الكلام، فيكون قول زهير "يقول لا غائب.... إلخ" وقول جرير البجلي "تصرع" متقدما في النية وإن تأخر في اللفظ، وهذا يؤيد ما ذهب إليه سيبويه رحمه الله من أن الفعل المتأخر عن أداة الشرط وفعل الشرط إذا كان غير مجزوم فهو على نية التقديم، من قبل أن هذا هو الموضع الأصلي له، فاعرف ذلك وتنبه له، فأما البصريون فلا يرون ذلك، ويجعلون المتقدم دليلا على الجواب، وليس هو نفس الجواب تقدم، لأن الجواب مجزوم بالشرط، وقد تكرر أن عامل الجزم ضعيف، ومن آثار ضعفه ألا يتقدم معموله عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>