للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا ثبت هذا وأنه في تقدير التقديم؛ فوجب جواز تقديم معموله على حرف الشرط؛ لأن المعمول قد وقع في موقع العامل.

وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه لا يجوز تقديم معمول الشرط والجزاء على حرف الشرط؛ لأن الشرط بمنزلة الاستفهام، والاستفهام له صدر الكلام، فكما لا يجوز أن يعمل ما بعد الاستفهام فيما قبله فكذلك الشرط، ألا ترى أنه لا يجوز أن يقال "زيدًا أَضَرَبْتَ"؟ فكذلك لا يجوز أن يقال "زيدا إنْ تضرب أضرب".

والذي يدلُّ على ذلك أن بين الاستفهام وبين الشرط من المشابهة ما لا خفاء به، ألا ترى أنك إذا قلت "أضربت زيدا؟ " كنت طالبا لما لم يستقر عندك، كما أنك إذا قلت "إن تضرب زيدا أضرب" كان كلامًا معقودًا على الشك؛ فإذا ثبتت المشابهة بينهما من هذا الوجه؛ فينبغي أن يُحْمَلَ أحدهما على الآخر؛ فكما لا يجوز أن يتقدم ما بعد الاستفهام عليه؛ فكذلك الشرط.

وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم: "إن الأصل في الجزاء أن يكون مقدما على الشرط" قلنا: لا نسلم، بل مرتبة الجزاء بعد مرتبة الشرط؛ لأن الشرط سبب في الجزاء، والجزاء مُسَبِّبُهُ، ومحال أن يكون المسبب مقدما على السبب، ألا ترى أنك لا تقول "إن أشكرك تُعْطِنِي١" وأنت تريد إن تعطني أشكرك؛ لاستحالة أن يتقدم المسبب على السبب، وإذا ثبت أن مرتبة الجزاء أن تكون بعد الشرط وجب أن تكون مرتبة معمولهِ كذلك؛ لأن المعمول تابع لعامل.

وأما قول الشاعر:

[٤٠١]

إنك إن يصرع أخوك تصرع

فلا حجة لهم فيه؛ لأنه إنما نَوَى به التقديم وجعله خبرا لإنَّ لأجل ضرورة الشعر، وما جاء لضرورة شعر أو إقامة وزن أو قافية فلا حجة فيه.

وأما قول زهير:

[٤٠٢]

وإن أتاه خليل يوم مسألة ... يقول......

فلا نسلِّم أنه رفعه لأن النية به التقديم، وإنما رفعه لأن فعل الشرط ماضٍ، وفعل الشرط إذا كان ماضيًا نحو "إن قمت أقوم" فإنه يجوز أن يبقى على رفعه؛ لأنه لما لم يظهر الجزم في فعل الشرط تُرِكَ الجواب على أول أحواله -وهو الرفع


١ لكنه لو قال "أشكرك إن تعطني" كان صحيحًا وأفاد المعنى، وهو موطن الخلاف، فتأمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>