للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- وهو وإن كان مرفوعًا في اللفظ فهو مجزوم في المعنى، كقولك "يغفرُ الله لفلان" لفظه مرفوع ومعناه دعاء مجزوم، كقولهم: "ليغفرِ اللهُ لفلان".

وأما قول الآخر:

[٤٠٣]

فلم أَرْقِهِ إن يَنْجُ منها ...

فلا حجة لهم فيه؛ لأن قوله: "فلم أرقه" دليل على جواب الشرط؛ لأن لم أفعل نفي لفعلت، وفعلت تنوب مناب جواب الشرط المحذوف، كما قال الشاعر:

[٤٠٤]

يا حَكَمُ الوَارِثَ عن عبد الملك ... أَوْدَيْتُ إن لم تحبُ حَبْوَ المُعْتَنِكْ


[٤٠٤] هذان بيتان من الرجز المشطور، وهما من أرجوزة لرؤبة بن العجاج يمدح فيها الحكم بن عبد الملك بن بشر بن مروان، وأولهما: من شواهد ابن هشام في مغني اللبيب "رقم ١٥" وفي شرح قطر الندى "رقم ٨٧" وثانيهما: وحده من شواهد ابن منظور "ع ن ك - ح ب ا" وابن جني في الخصائص "٢/ ٣٨٩ و٣٢١" وبين البيتين في أرجوزة رؤبة عدة أبيات، و"أوديت" أي هلكت، وتحبو: له معنيان أحدهما: أن يكون بمعنى الحبو الذي هو الزحف، وأصله مشي الصبي على يديه ورجليه، والآخر: أن يكون بمعنى تمنح وتعطي، تقول: حباه يحبوه حبوًا، وتريد أنه أعطاه، والمعتنك -على زنة اسم الفاعل- أصله البعير يكلف أن يصعد في العانك من الرمل، والعانك من الرمل هو ما انعقد منه، ولا يتأتى الصعود فيه إلا مع جهد ومشقة عظيمين والبعير قد يحبو فيه ويبطئ في سير ويشرف بصدره ويتلطف حتى يتمكن من صعوده يقول: إني أهلك إن لم تمنحني من عنايتك وترفقك بي وتلطفك في معالجة شئوني مثل ما يعطيه البعير من ذلك حين يريد أن يصعد في عانك الرمل. ومحل الاستشهاد من هذا البيت ههنا قوله "أوديت إن لم تحب" فإن قوله "أوديت" في هذه العبارة دليل على جواب الشرط المتأخر وهو قوله "إن لم تحب" ولا يجيز البصريون أن يكون قوله أوديت هو جواب الشرط؛ لأن جواب الشرط معمول للشرط، والشرط عامل ضعيف ومن آثار ضعف العامل: ألا يعمل محذوفًا، ولا متأخرًا عن المعمول، بل لا بد أن يكون مذكورًا متقدمًا على معموله، وقد يجوز حذفه إن قام مقامه شيء، قال ابن جني: "أما قوله:
فلم أرقه إن ينج منها، وإن يمت
فذهب أبو زيد إلى أنه أراد: إن ينج منها فلم أرقه، وقدم الجواب. وهذا عند كافة أصحابنا غير جائز، والقياس له دافع، وعنه حاجز، وذلك أن جواب الشرط مجزوم بنفس الشرط، ومحال تقدم المجزوم على جازمة، بل إذا كان الجار -وهو أقوى من الجازم؛ لأن عوامل الأسماء أقوى من عوامل الأفعال -لا يجوز تقديم ما انجر به عليه كان ألا يجوز تقديم المجزوم على جازمه أحرى وأجدر، وإذا كان كذلك فقد وجب النظر في البيت، ووجه القول عليه أن الفاء في قوله فلم أرقه لا يخلو أن تكون معلقة بما قبلها أو زائدة، وأيهما كان فكأنه قال: لم أرقه إن ينج منها، وقد علم أن لم أفعل نفي فعلت، وقد أنابوا فعلت

<<  <  ج: ص:  >  >>