للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: آنَفُ، ومعنى الآية أنَّا أَوَّلُ الآنفين أن يقال لله ولد، وقيل: أول العابدين، أي: أول من عبد الله وحده، وقيل: المعنى كما أني لست أول من عبد الله فكذلك ليس لله ولد، كما يقال: إن كنت كاتبا فأنا حاسب، يريد أنك لست بكاتب ولا أنا حاسب، على أنا نقول: ولم قلتم إنها إذا كانت في موضع ما بمعنى "ما" ينبغي أن تكون ههنا؟

قولهم: "جمع بينها وبين ما لتوكيد النفي كما جمع بين إنَّ واللام لتوكيد الإثبات" قلنا: لو كان الأمر كما زعمتم لوجب أن يصير الكلام إيجابًا؛ لأن النفي


= قيل معنى قوله "عبدًا" أي أنفًا، يقول: أنف أن تفوته الدرة. قال ابن منظور: "وفي التنزيل {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ العَابِدِينَ} [الزخرف: ٨١] ويقرأ "العبدين" قال الليث: العبد -بالتحريك- الأنف والغضب والحمية من قول يستحيا منه ويستنكف، ومن قرأ "العبدين" فهو مقصور، من عبد يعبد فهو عبد، وقال الأزهري: هذه آية مشكلة، وأنا ذاكر أقوال السلف فيها، ثم أتبعها بالذي قال أهل اللغة، وأخبر بأصحها عندي، أما القول الذي قاله الليث في قراءة "العبدين" فهو قول أبي عبيدة، على أني ما علمت أحدًا قرأ "فأنا أول العبدين" ولو قرئ مقصورًا كان ما قاله أبو عبيدة محتملًا وإذ لم يقرأ به قارئ مشهور لم نعبأ به، والقول الثاني: ما روي عن ابن عيينة أنه سئل عن هذه الآية، فقال: معناه إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين، يقول: فكما أنني لست أول من عبد الله فكذلك ليس لله ولد، وقال السدي: قال الله لمحمد: قل إن كان -على الشرط- للرحمن ولد كما تقولون لكنت أول من يطيعه ويعبده: وقال الحسن وقتادة: إن كان للرحمن ولد، على معنى ما كان، فأنا أول العابدين: أي أول من عبد الله من هذه الأمة، وقال الكسائي "إن كان" أي ما كان للرحمن ولد "فأنا أول العابدين" أي الآنفين، رجل عابد وعبد وآنف وأنف، أي الغضاب الآنفين من هذا القول، وقال: فأنا أول الجاحدين لما تقولون، ويقال: أنا أول من تعبده على الوحدانية مخالفة لكم، وقال ابن الأنباري "إن كان للرحمن ولد" ما كان للرحمن ولد، والوقف على ولد، ثم ابتدئ "فأنا أول العابدين" له على أنه لا ولد له، قال الأزهري: قد ذكرت الأقوال، وفيه قول أحسن من جميع ما قالوا، وأسوغ في اللغة وأبعد من الاستكراه، وأسرع إلى الفهم، روي عن مجاهد أنه قال: "إن كان لله ولد في قولكم فأنا أول من عبد الله وحده وكذبكم فيما تقولون". قال الأزهري: وهذا واضح، ومما يزيده وضوحًا أن الله عز وجل قال لنبيه: {قُلْ} يا محمد {إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} في زعمكم "فأنا أول العابدين" إله الخلق أجمعين الذي لم يلد ولم يولد، وأول الموحدين للرب الخاضعين المطيعين له وحده؛ لأن من عبد الله تعالى واعترف بأنه معبود وحده لا شريك له فقد دفع أن يكون له ولد في دعواكم، والله عز وجل واحد لا شريك له وهو معبودي الذي لا ولد له ولا والد، قال الأزهري: وإلى هذا ذهب إبراهيم بن السري وجماعة من ذوي المعرفة، وهو الذي لا يجوز عندي غيره" ا. هـ كلامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>