للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشبهه من أسماء الإشارة أن تكون دالًّا على الإشارة، و"الذي" وسائر الأسماء الموصولة ليست في معناها؛ فينبغي أن لا يحمل عليها، وهذا تمسك بالأصل واستصحاب الحال، وهو من جمل الأدلة المذكورة، فمن ادَّعى أمرًا وراء ذلك بقي مُرْتَهَنًا بإقامة الدليل، ولا دليل لهم يدل على ما ادَّعوْهُ.

وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: ٨٥] فلا حجة لكم فيه من ثلاثة أوجه:

أحدها: أن يكون "هؤلاء" باقيًا على أصله من كونه اسم إشارة، وليس بمعنى الذي كما زعتم، ويكون في موضع نصب على الاختصاص، والتقدير فيه "أعني هؤلاء" كما قال عليه السلام "سلمان منا أهل البيت" فنصب "أهل" على الاختصاص، والتقدير فيه "أعني أهل البيت" وخبر أنتم: هؤلاء تقتلون١.

والوجه الثاني: أن يكون "هؤلاء" تأكيدا لأنتم، والخبر "تقتلون"، ثم هذا لا يستقيم على أصلكم، فإن "تقتلون" عندكم في موضع نصب؛ لأنه خبر التقريب، وخبر التقريب عندكم منصوب، كقولهم: "هذا زيد القائم" بالنصب، و"هذا زيد قائما" ولو كان صلة لما كان له موضع من الإعراب، وعندنا أنه يحتمل أن يكون في موضع نصب على الحال.

والوجه الثالث: أن يكون "هؤلاء" منادى مفردا، والتقدير فيه "ثم أنتم يا هؤلاء تقتلون" و"تقتلون" هو الخبر، ثم حذف حرف النداء كما قال تعالى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [يوسف: ٢٩] وكما قال تعالى: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ} [يوسف: ٤٦] وحذف حرف النداء كثير في كلامهم.

وهذا الذي ذكرناه هو الجواب عن احتجاجهم بقوله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ} [النساء: ١٠٩] .

وأما قوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه: ١٧] فلا حجة لهم فيه؛ لأن "تلك" معناها الإشارة وليست بمعنى التي، والتقدير فيه: أي شيء هذه بيمينك و"تلك" بمعنى هذه كما يكون "ذلك" بمعنى هذا، قال الله تعالى: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: ١، ٢] أي: هذا [٣٠٤] الكتاب، ثم قال الشاعر وهو خُفَافُ بن نَدْبَةَ:

[٤٤٤]

أقول له والرُّمْحُ يأَطِرُ مَتْنَهُ: ... تأمَّل خُفافًا؛ إنني أنا ذَلِكَا


[٤٤٤] هذا البيت من كلام خفاف بن ندبة السلمي، وخفاف: بزنة غراب، وندبة: بفتح النون أو =

<<  <  ج: ص:  >  >>