للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغين والمدّ، والغناء ممدوح بمعنى الكفاية، قال طرفة:

[٤٥٨]

ولا تجعليني كامرئ ليس هَمُّهُ ... كهمِّي، ولا يغني غَنَائِي ومَشْهَدِي

والوجه الثاني: أنا نسلم أن الرواية بكسر الغين، ولكن تكون مصدرًا لغانيته:

أي فاخرته بالغني، يقال: غانيته أغانيه غناء، كما يقول: والَيْتهُ أُوَالِيهِ ولاء، وعاديته أعاديه عداء بمعنى واليته؛ قال امرؤ القيس:

[٤٥٩]

فَعادَى عداء بين ثور ونعجة ... دِرَاكا، ولم يَنْضَخْ بماء فَيُغْسَلِ


[٤٥٨] هذا هو البيت الرابع والتسعون من قصيدة طرفة بن العبد البكري المعلقة "انظر شرح التبريزي ص٩٦" وقبله قوله:
إذا مت فانعيني بما أنا أهله ... وشقي على الجيب يا ابنة معبد
وانعيني: أي اذكري من أفعالي ما أنا خليق به وأهل له، وليس همه كهمي: يريد ليس عزمه مثل عزمي ولا طلبه للمعالي مثل طلبي، ولا يغني غنائي: أي لا ينفع في المواطن التي أنفع فيها ولا يسد كما أسد، يريد أنه لا يكون مثله في المواطن التي تظهر فيها قيم الرجال كمواطن الحرب ومجالس الخصومات والمفاخرات. ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "غنائي" فإنه بفتح الغين، وهو ممدود أصالة، ومعناه النفع والكفاية، والمؤلف يريد بإنشاد هذا البيت أن يقول: إنه يجوز أن يكون "الغناء" في الشاهد رقم ٤٥٥ و"غناء" في الشاهد رقم ٤٥٦ مثل "غنائي" في بيت طرفة هذا بفتح الغين وبمعنى الكفاية والنفع، وعلى هذا يكون ممدودا أصالة، ولا يكون فيه شاهد للكوفيين لأن الشاعر أتى به على أصله، وقد ذكرنا لك هناك أن هذا الكلام لا يصح أن يؤخذ به وذكرنا لك كلام ابن هشام في الردّ على هذا الكلام، وقال في آخره: إن تمحلات البصريين في الردّ على الكوفيين تعسف.
[٤٥٩] هذا هو البيت السادس والستون من معلقة امرئ القيس بن حجر الكندي "انظر شرح التبريزي على المعلقات ص٤٦ ط السلفية" وقد أنشده ابن منظور "ع د ي" وعزاه إليه، وعادى: معناه والى بين اثنين في طلق واحد ولم يعرق، تقول: عادى الفارس بين صيدين، وبين رجلين، إذا طعنهما طعنتين متواليتين، والعداء: مصدر هذا الفعل، وهو بكسر العين ممدودًا، ومعناه الموالاة والمتابعة بين الاثنين يصرع أحدهما على إثر الآخر في طلق واحد، ودراكًا: أي مداركة، وهو مصدر في موضع الحال، يصف امرؤ القيس فرسه بالسرعة وأنه يدرك الوحش ويمكن راكبه من صيدها من غير أن يظهر عليه أثر الجهد والتعب حتى إنه لا يعرق مع شدة جريه. ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "عداء" فإنه بكسر العين المهملة مصدر عادى، وهو ممدود قياسي، وغرض المؤلف من إنشاد هذا البيت ههنا أن يقول: إنه يجوز أن يكون "الغناء" في البيتين "رقم ٤٥٥ و٤٥٦" واللذين أنشدهما الكوفيون بكسر الغين كما قالوا، لكن لا على أنهما مصدر غني كرضي، بل على أنهما مصدر "غانى" أي فاخر في الغنى، ولست في حاجة إلى أن نعيد عليك هنا قول ابن هشام "وهو تعسف" وقد وافق الكوفيين في هذه المسألة ابن ولاد وابن خروف، وقد قرأ طلحة بن مصرف في قوله تعالى: "يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار" بمد السّنا وأصله =

<<  <  ج: ص:  >  >>