رمى الحدثان نسوة آل حرب ... بمقدار سمدن له سمودا فرد شعورهن السود بيضًا ... ورد وجوههن البيض سودا قال ابن منظور "فأما قول الأعشى: فإما تريني ولي لمّة -البيت فإنه حذف التاء للضرورة، وذلك لمكان الحاجة إلى الردف، وأما أبو علي الفارسي فذهب إلى أنه وضع الحوادث موضع الحدثان كما وضع الآخر الحدثان موضع الحوادث في قوله: ألا هلك الشهاب المستنير البيتين الآتيين برقم ٤٧٠" ا. هـ. ولكن خيرًا من هذا التخريج أن يقال: إن الحوادث جمع تكسير، وإن جمع التكسير لكونه لم يسلم فيه بناء المفرد يصح أن يعود إليه الضمير من الفعل والوصف مذكرا أو مؤنثا -سواء أكان مفرده مذكرا أم كان مفرده مؤنثا- وقد تنبَّه لهذا بعض التنبه الأعلم حيث يقول "الشاهد فيه حذف التاء من أودت ضرورة، ودعا إلى حذفها إن القافية مردفة بالألف، وسوغ له حذفها أن تأنيث الحوادث غير حقيقي، وهي في معنى الحدثان" ا. هـ. وقد قلنا "إنه تنبه بعض التنبه" لأنه تنبه إلى أن تأنيث الحوادث غير حقيقي، ولم يكن تنبهه كاملا لأنه جعل ترك التاء في مثل هذا ضرورة، ولأنه عاد فقال "وهي في معنى الحدثان" والصواب أن التعليل لترك التاء ههنا هو أن مرجع الضمير جمع تكسير، وجمع التكسير يصح أن ينظر إليه على أنه جمع فيكون مذكرا ولو كان مفرده مؤنثا، وأن ينظر إليه على أنه جماعة فيكون مؤنثا ولو كان مفرده مذكرا، والوجهان جائزان في سعة الكلام عند علماء المصرين الكوفة والبصرة فما بالهم قد تركوا هذه القاعدة هنا، ورجعوا إلى أصل الكلام الأصيل، وانظر لذلك بحثا وافيا كتبناه في شرحنا على شذور الذهب "ص١٧١-١٧٤". ومما ورد فيه إسناد الفعل إلى جمع التكسير الذي واحده مؤنث من غير أن يلحق بالفعل تاء التأنيث قول الشاعر، وأنشده القالي "الأمالي ٢/ ٢٨١ ط الدار": فما لك إذ ترمين يا أم مالك ... حشاشة قلبي، شل منك الأصابع ألا تراه قد قال "شل الأصابع" والأصابع جمع إصبع، والإصبع مؤنثة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم "هل أنت إلا إصبع دميت" وقد جاء الفعل المسند إلى الأصابع مؤنثا في بيت الفرزدق المشهور. إذا قيل: أي الناس شر قبيلة ... أشارت كليب بالأكف الأصابع أي أشارت الأصابع إلى كليب مصاحبة الأكف، وقد أثرنا لك في شرح الشاهد ٤٧٠ كلمة لابن يعيش صريحة في ذلك. وفي هذا القدر كفاية وغناء إن شاء الله تعالى: