(٢) أي: كثير السخاء مظهر العلوم، والفهوم، مهلك أعدائه ومتلفهم، ومزيل الصدى، أي: العطش، والأولى "جالي" والمراد: كاشف الكرب؛ يا ويل، دعاء بالحزن والهلاك، لإنسان في أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، اعتدى: بانتقاصه، وهضم حقوقه، أو غلا فيه، ومناقبه وفضائله شهيرة. بايعه الناس بالمدينة، بعد قتل عثمان رضي الله عنهما؛ واتفق السلف على فضله، وخلافته بعد عثمان، وأقروا بأن معاوية رضى الله عنه، ليس كفؤًا لعلي في الخلافة. ولا يجوز: أن يكون معاوية خليفة، مع إمكان استخلاف علي، لسابقته وعلمه، ودينه وشجاعته، وسائر فضائله، ولما قتل عثمان لم يبق لها معين إلا علي. وإنما وقع ما وقع بسب قتل عثمان، فرأى علي: أن لهؤلاء شوكة، وهم خارجون عن طاعته، فقام ليردوا إلى الواجب، وهم رأوا: أن عثمان قتل مظلومًا، وقتلته في عسكر علي، وهم غالبون لهم شوكة؛ وعلي يحلف -وهو البار الراشد، بلا يمين- أنه لم يقتله، ولا رضي بقتله، ولم يمالئ على قتله، وهذا معلوم بلا ريب. ثم إن طلحة والزبير رضي الله عنهما خرجا إلى مكة وسارا بعائشة رضي الله عنها إلى البصرة فخرج علي رضي الله عنه إلى العراق، ولم يقصدوا القتال ابتداء، وإنما صارت وقعة الجمل بغير اختيار؛ وكانوا قد اتفقوا على المصالحة، وإقامة الحدود على قتلة عثمان رضي الله عنه. فتواطأت القتلة، على إقامة الفتنة، فحملوا على طلحة والزبير وأصحابهما، فحملوا هم دفعًا عنهم؛ وأشعروا عليًا إنما حمل عليه، فحمل علي دفعًا عن نفسه؛ وكان كل منهم قصده: دفع الصيال، لا ابتداء القتال. وكذلك خرج معاوية رضي الله عنه، ومن معه من أهل الشام، فالتقوا بصفين، وقتل عمار وكان مع علي، وقد قال فيه - صلى الله عليه وسلم - «تقتلك الفئة الباغية. وإن كانوا لم يقصدوا القتال ابتداء، وإنما أثاره أهل الفتنة؛ وعلي ومعاوية رضي الله عنهما، أطلب لكف الدماء، من أكثر المقتتلين، لكن غلبا فيما وقع؛ والفتنة إذا ثارت، عجز الحكماء عن إطفاء نارها» . واتفق السلف: أن الخليفة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم؛ ومعاوية رضي الله عنه مجتهد مخطئ، وسابقته وفضائله مشهورة.