وقد دل القرآن والسنة وإجماع السلف، على فضل أعيان البشر على الملائكة كفضل محمد - صلى الله عليه وسلم - المجمع عليه، وقال معاذ رضي الله عنه: ما خلق الله خلقًا أكرم عليه من محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ قيل له: ولا جبرائيل، ولا ميكائيل؛ قال: ولا جبرائيل ولا ميكائيل؛ وإذا ثبت فضل الواحد من النوع، ثبت فضل نوعهم على جميع الأنواع وكقصة سجود الملائكة أجمعين لآدم، ولعن الممتنع عن السجود له؛ وهذا تشريف وتكريم له ظاهر، وكقول إبليس: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} [الإسراء: ٦٢] . وخلق آدم بيده. قال زيد بن أسلم: قالت الملائكة: يا ربنا جعلت لبني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون، فاجعل لنا الآخرة؛ فقال: (وعزتي لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان) وروي مرفوعًا؛ ومعاذ وزيد معاذ وزيد: في علمهما وفقههما؛ وفي حديث أبي هريرة من طريق الخلال: «أنتم أفضل من الملائكة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأقل ما في هذه الآثار ونحوها، أن السلف الأولين كانوا يتناقلون بينهم: أن صالحي البشر أفضل من الملائكة، من غير نكير منهم لذلك، ولم يخالف أحد منهم في ذلك، وكقوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: ٣٠] . وكتفضيلهم بالعلم، وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مؤمن. والمؤمن أكرم على الله من الملائكة الذين عنده» . وكحديث المباهاة، وما أعد الله لهم من الكرامة، التي لم يطلع الله عليها ملكًا ولا غيره، وظهور فضيلة صالحي البشر، إذا وصلوا إلى غاياتهم، فدخلوا الجنة ونالوا الزلفى، وسكون الدرجات العلى، وحياهم الرب جل جلاله، وتجلى لهم، يستمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم، وقامت الملائكة بخدمتهم بإذن ربهم.