فلا تبتدأ نبوة ولا تشرع شريعة بعده، ونزول عيسى عليه السلام لا ينافي ذلك، فإنه لا يتعبد إلا بشريعته، فهو خليفة له - صلى الله عليه وسلم -، وحاكم من حكامه. والثانية: ما خصه الله به من المقام المحمود، وهو الشفاعة العظمى، في أهل الموقف، ليقضى بينهم. والثالث: ما خصه الله به ببعثته نبيا ورسولًا لجميع الأنام من الثقلين، قال تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: ١٥٨] . والرابعة: ما خصه الله به من معجزة القرآن، الذي أذعن له الثقلان، واعترف بالعجز عن الإتيان بأقصر سورة منه أهل الفصاحة والبلاغة والبيان. والخامسة: المعراج إلى سدرة المنتهى. قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: ١] . ثم عرج به إلى السماء حتى دنا من الجبار جل جلاله، فكان قاب قوسين أو أدنى. حقا: أي: حتمًا بلا كذب ولا ريب؛ ولا اعوجاج، أي: غير مستقيم، بل أسرى ببدنه - صلى الله عليه وسلم - وروحه جميعًا، يقظة لا منامًا، باتفاق جمهور أهل السنة، لما دل عليه الكتاب والسنة. وفي الصحيحين، وغيرهما: «بينا أنا نائم في الحطيم -أو قال: في الحجر- إذ أتاني آت، فجعل يقول لصاحبه: شق ما بين هذه على هذه، من ثغر نحره إلى شعرته، فاستخرج قلبي، فأتيت بطست من ذهب، مملوءًا إيمانًا وحكمة، فغسل قلبي، ثم حشى» . وفي لفظ: «فأفرغه في صدره، وملأه علمًا وحلمًا، ويقينًا وإسلامًا، ثم أطبقه، ثم أتى بدابة دون البغل، وفوق الحمار، وهو البراق يقطع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه. ولما أراد العروج إلى السماء، بعد وصوله إلى بيت المقدس، أتى بالمعراج يشبه السلم» . وصحت الأحاديث أنه نصب له، فارتقى فيه إلى السماء، وفرضت عليه الصلوات الخمس، وثبت له - صلى الله عليه وسلم - من الخصائص غير هذه، كقوله: «أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة وغير ذلك، واقتصر المؤلف على بعض المهم، لأنها أفردت بالتأليف» .