للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صدره للإسلام الذي يجب ما قبله, وهكذا كان حال سائر الأعلام. فمن الذي ولد آن إذ مسلما موحدا؟ ومن قال: إن أهل تلك الحقبة كانوا علماء أفذاذ؟ المعلوم أن أكثرهم كانوا جاهلين أميين، فتحضروا بالإسلام, وصاروا به هداة وأئمة للأنام.

ومسألة صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنوات فقط, وإن نقلت عنه هو غير دقيقة؛ لأنه لم يقصد انحصار صحبته في هذه المدة, وما درى أن الزمان يدخر له لئام الناس الذين ينتقصون منه, ويبالغون في الطعن فيه, والمحرر المدقق أن إسلامه سبق هجرته بكثير، وأنه كان يتحرى أخبار المسلمين.

ومن هنا أشار بمنع القسم وإعطاء سهم لإبان بن سعيد؛ لكونه قتل النعمان بن قوقل في أحد, والمعلوم أن فتح خيبر كان في المحرم من سنة سبع، وكان انتقاله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى في ربيع الأول سنة إحدى عشرة, وبذلك تزيد مدة ملازمة أبي هريرة وانقطاعه للحديث عن أربعة أعوام، ولا سبيل إلى الغمز فيه بأنه كان من أهل الصفة، فذلك شرف له وأي شرف فهم ضيوف الإسلام ومادة بثه وإشاعته.

ويعود عبد الحسين إلى الطعن بالفقر والجوع وتصوير أبي هريرة بالبائس المسكين الذي عانى لا شظف العيش, بل انعدامه, ويتناسى ما لهذا من تأثير على صفاء الذهن، فمن قديم تردد "إذا وجدت البطنة نامت الفطنة", وإذا عد هذا عيبا في راوية الإسلام فسينسحب على أكثر ذلك الزمان, فلم يكونوا مترعين بالترف، وإنما عرفوا القسوة والمعاناة والشظف زهدا وإعراضا عن الدنيا.

<<  <   >  >>