فإذا أحضرت الصلاة صلى خلف علي -رضي الله عنه- فإذا قيل له في ذلك قال: مضيرة معاوية أرسم وأطيب، والصلاة خلف علي أفضل، وكان يقال له شيخ المضيرة", ولا ندري كيف تقبل العقول هذا, وإنما الذي ندريه أن الرجل يهرف بما لا يعرف, أو على الأقل يحرف الكلم عن مواضعه ويزيف الحدث عن مواقعه, وإلا فكيف يأكل أبو هريرة مضيرة معاوية ويصلي خلف علي, ورضي الله عن الثلاثة الكرام الذين تفرقوا بين المدينة والعراق والشام. فهل ملك أبو هريرة بساط الريح ليغدوا به ويروح.
إن ابن عبد البر يقطع بأنه لم يغادر المدينة منذ أن عزله عمر عن البحرين، فقد طلبه للإمارة فأبى عليه، ولم يزل يسكن المدينة, وبها توفي سنة سبع وخمسين أو ثمان أو تسع وخمسين.
لكن أبا رية يصر على اتهام الصحابي فينقل عن غير واحد أن أبا هريرة حضر موقعة صفين, وكان فيها يصانع الفئتين, فكان في بعض الأيام يصلي في جماعة علي رضي الله عنه, ويأكل في جماعة معاوية، فإذا حمي الوطيس لحق بالجبل، فإذا ما سئل قال: علي أعلم, ومعاوية أدسم، والجبل أسلم.
هكذا يسف في اتهام الرجل، بل وفي اتهام سائر الصحابة معه، وإذًا كيف نامت فطنتهم وغاب وعيهم بحيث لم يكشفوا حيلة المداهن المصانع الذي يصلي خلف قائد هذه الفئة، ويأكل على مائدة قائد تلك؟ ويفقد الجميع الإحساس بمخادعته ومصادنعته.