ثم يدعي أبو رية أن كل من أرخ لأبي هريرة أجمع على أنه كان مزاحا مهذارًا, يكثر ذكر النوادر والغرائب؛ ليجذب الناس نحوه ويحببهم فيه، وما أشده من تناقض ذاك الذي وقع فيه, فقد ادعى زورًا وبهتانا أنه بينهم لم يكن في العير ولا في النفير، وأعجب كيف يكون أبو هريرة بين الصحابة مغمورًا مبهما مغفل الذكر, مهضوم القدر، ثم يدعي أن كل من أرخ له أجمعوا على كونه مزاحًا مهذارًا.
وليس هناك ما يدل على مزاحه إلا رواية ذكرها ابن حجر في الإصابة عن ابن أبي الدنيا مفادها أنه قال لرجل ادعى أنه شرب ناسيا: سقاك الله، فلما قال له: أكلت ناسيا، قال: أطعمك الله، فلما تكرر ذلك منه, قال له: يابن أخي أنت لم تتعود الصيام. فمن أين جاءت دعوى الإجماع؟ لعلها جاءت من نفس الباب الذي جاءت منه دعاواه الباطلة الكثيرة التي لا سبيل إلى تحقيقها.
ويستغل أبو رية ما كان من بعض الصحابة من مناقشات لما دار فيما بينهم من روايات، وينسخ منها الحكايات ويجعلها عمدته في توجيه الشتائم والبذاءات إلى هذا الصحابي الجليل.
وقد سبق أن أوقفناك على بعض تلك المناقشات, وما كان فيها من وجهات نظر مع التزام بعدم الانتقاص، ولم ينفرد الصحابي الجليل أبو هريرة بمناقشة رواياته من البعض، وإنما شاركه غيره من أجلاء الصحابة كعمر أفقههم صاحب الموافقات، وليس أبو هريرة أول رواتهم في الإسلام