قال النووي:"واعلم أن مذهب أهل الحل إثبات القدر, ومعناه أن الله تبارك وتعالى قدر الأشياء في القدم, وعلم سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه وتعالى, وعلى صفات مخصوصة فهي تقع على حسب ما قدرها سبحانه وتعالى وأنكرت القدرية هذا وزعمت أنه سبحانه وتعالى لم يقدرها, ولم يتقدم علمه سبحانه وتعالى بها, وأنها مستأنفة العلم أي إنما يعلمها سبحانه بعد وقوعها, وكذبوا على الله سبحانه وتعالى وجلَّ عن أقوالهم الباطلة علوا كبيرا, وسميت هذه الفرقة قدرية لإنكارهم القدر.
قال أصحاب المقالات من المتكلمين, وقد انقرضت القدرية القائلون بهذا القول الشنيع الباطل, ولم يبق أحد من أهل القبلة عليه, وصارت القدرية في الأزمان المتأخرة تعتقد إثبات القدر, ولكن يقولون: الخير من الله, والشر من غيره. تعالى الله عن قولهم.
وحديث: "القدرية مجوس هذه الأمة" رواه أبو حازم عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, أخرجه أبو داود في سننه والحاكم أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين وقال: صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع أبي حازم من ابن عمر. قال الخطابي: إنما جعلهم صلى الله عليه وسلم مجوسا لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس في قولهم بالأصلية النور والظلم, يزعمون أن الخير من فعل النور, والشر من فعل الظلمة فصاروا ثنوية, وكذلك القدرية يضيفون الخير إلى الله تعالى, والشر إلى غيره, والله سبحانه وتعالى خالق الخير والشر جميعا, لا يكون شيء فيهما إلا بمشيئته, فهما مضافان إلى الله سبحانه وتعالى خلقا وإيجادا, وإلى الفاعلية لهما من عباده فعلا واكتسابا.