للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد يحسب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر إجبار الله سبحانه وتعالى وقهره على ما قدره وقضاه, وليس الأمر كما يتوهمونه, وإنما معناه الإخبار عن تقدم علم الله سبحانه وتعالى بما يكون من اكتساب العبد, وصدورها عن تقدير منه وخلق لها خيرها وشرها والقدر اسم لما صدر عن فعل القادر يقال: قدرت الشيء وقدرته بالتخفيف والتثقيل بمعنى واحد والقضاء في هذا معناه الخلق كقوله تعالى: فقضاهن سبع سموات في يومين" أي خلقهن, قلت: قد تظاهرت الأدلة القطعيات من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأهل الحل والعقد من السلف والخلف على إثبات قدر الله سبحانه وتعالى"١.

ويمتد فكر القدرية الذين آلت إليهم التسمية لقولهم: بأن للعبد قدرة على خلق أفعاله, هؤلاء الذين عرفوا بالمعتزلة, ونشئوا كثمرة مرة لفكر الخوارج, فهم لم يقبلوا التفكير بالكبيرة والمعصية، ولم يرضهم نسبة المعاصي إلى الإيمان فنزلوه منزلة الاثنين, وما أكثر ما ناب الحديث والمحدثين من تطاولهم وتهجمهم, وهم يحكمون العقل في النقل, فإذا أعياهم ذلك لجئوا إلى رد النقل, ورموا النقلة بفحش القول, وما أكثر ما نال المحدثين من بذاءاتهم فحتى الصحابة رضوان الله عليهم نالهم حظهم, وأخذوا نصيبهم من تطاول مدرسة الاعتزال, وقد سبقت الإشارة إلى تطاول النظام, ومن على شاكلته على الصحابي الجليل "أبو هريرة" وسيأتي تعرض لهذا عند استعراض منهج ابن قتيبة في دفاعه عن الحديث والمحدثين.


١ شرح النووي على مسلم ج١، ص١٥٤-١٥٥ بتصرف.

<<  <   >  >>