الناس بالدنيا وانغماس الكثيرين في طلب تحصيلها أدى ذلك إلى ضعف ملكة الحفظ شيئا ما, وجد مسيس الحاجة إلى تدوين الحديث مخافة أن يضيع.
كل ذلك، وأكثر منه كان وراء نشاط حركة الجمع والتصفيف تلك الحركة التي لم تنشأ من فراغ, وإنما اعتمدت على زاد ضخم وحصاد عظيم كان ثمرة جهد وكد السابقين الذين ذهب بعضهم قبل بدء القرن الثاني, وبقي تراثهم يواصل إحياء ذكرهم.
وهناك كثيرون ممن كانت لهم اليد الطولى في حفظ السنة في القرن الأول واصلوا جهدهم في القرن الثاني, ولم يسلموا الراية إلا عند إسلام أرواحهم إلى بارئها، ولم يسلموها إلا لمن يجهد حملها والذود عنها.
والناظر إلى القرن الهجري الثاني يبهره صنيع المحدثين فيه, ويهوله ذلك الجهد المضني الذي بذل بسخاء خدمة السنة النبوية المطهرة.
وتلمع نجوم حديثية في هذا القرن, وتسطع أضواؤها فتلمع من عمالقة الحديث في هذا القرن الأئمة الأربعة, وإن كان رابعهم عاش أكثر من نصف عمره في القرن الثالث ونلمح سفيان بن عيينة المولود سنة سبع ومائة, والمتوفى سنة ثمان وتسعين ومائة, ونلمح ابن إسحاق وموسى بن عقبة وشعبة والثوري؛ كلهم جدير بلقب "أمير المؤمنين بالحديث", والذي يطالع كتب الصحاح يدرك ما لهؤلاء من أثر.
وتنوعت طرق التحديث عن هؤلاء فمنهم من اكتفى بتصدر مجالس