هكذا بلغت الأنظار "إلى ضرورة توقير الرسول صلى الله عليه وسلم عند الاستئذان، وفي كل الأحوال, فلا يدعى باسمه: يا محمد, أو كنيته: يا أبا القاسم، كما يدعو المسلمون بعضهم بعضا، إنما يدعى بتشريف الله له وتكريمه: يا نبي الله، يا رسول الله.
فلا بد من امتلاء القلوب بالتوقير لرسول الله صلى الله عليه وسلم -حتى نستشعر توقير كل كلمة منه, وكل توجيه, وهي لفتة ضرورية، فلا بد للمربي من وقار، ولا بد للقائد من هيبة، وفرق بين أن يكون هو متواضعا هينا لينا، وأن ينسوا هم أنه مربيهم فيدعوه دعاء بعضهم لبعض. يجب أن تبقى للمربي منزلة في نفوس من يربيهم, يرتفع بها عليهم في قرارة شعورهم، ويستحيون هم أن يتجاوزوا معها حدود التبجيل والتوقير، ثم يحذر المنافقين الذين يتسللون ويذهبون بدون إذن، يلوذ بعضهم ببعض، ويتدارى بعضهم ببعض فعين الله عليهم، وإن كانت عين الرسول لا تراهم:
{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا} , وهو تعبير يصور حركة التخلي والتسلل بحذر من المجلس، ويتمثل فيها الجبن عن المواجهة، وحقارة الحركة والشعور المصاحب لها في النفوس {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، وإنه لتحذير مرهوب, وتهديد رهيب.
فليحذر الذين يخالفون عن أمره، ويتبعون نهجا غير نهجه, ويتسللون من الصف ابتغاء منفعة أو اتقاء مضرة, ليحذروا أن تصيبهم فتنة تضطرب فيها المقاييس، وتختل فيها الموازين، وينتكث فيها النظام، فيختلط الحق