وأكثر العلماء مجمعون على أنه المعني بحديث أبي هريرة رضي الله عنه:"ويوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل في طلب العلم", وفي رواية:"يلتمسون العلم فلا يجدون عالما أعلم", وفي رواية:"أفقه من عالم المدينة", وفي رواية:"من عالم بالمدينة"١.
وقد أثنى عليه الكثيرون: قال عبد الله بن أحمد قلت لأبي: من أثبت أصحاب الزهري؟ قال: مالك أثبت في كل شيء. وقال الشافعي: إذا ذكر العلماء فمالك النجم. وقال أيضا: لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز.
وقال ابن وهب: لولا مالك والليث لضللنا. وقال هو عن نفسه: ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك. ولسبقه وتقدمه جلس للتحديث والفتوى ومجالس شيوخه مقامه فكان مجلسه أشد مزاحمة.
وكان رضي الله عنه شديد الاعتزاز بالعلم جوادا كريما سمح المحيا وكان مهيبا نبيلا ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط ورفع الصوت، وكان يقول الدنو من الباطل هلكة والقول بالباطل بعد عن الحق ولا خير في شيء, وإن كثر في الدنيا بفساد دين المرء ومروءته.
وكان من تعظيمه لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا أراد أن يحدث توضأ, وجلس على صدر فراشه, وسرح لحيته, واستعمل الطيب وتمكن من الجلوس على وقار وهيبة, ثم حدث, فقيل له في ذلك, فقال: أحب أن أعظم
١ أخرجه الترمذي في كتاب العلم باب: ما جاء في عالم المدينة ج٥، ص٤٧، والحاكم في المستدرك ج١، ص٩٠-٩١, وابن أبي حاتم في المقدمة ص١١-١٢، والخطيب في تاريخ بغداد في عدة مواضع.