من لفظ الآية أن المقصود به العقال الأبيض والعقال الأسود، وجعل عريض القفا يمسك بهما, ولا يمسك عن الطعام والشراب حتى يتبين له أحدهما من الآخر، فبين لهم النبي صلى الله عليه سلم إزاحة للإشكال أن المراد من البياض والسواد بياض الصبح وسواد الليل.
ولا يخفى عليك أن أصل هذه الأحكام موجودة في القرآن, وغاية ما هناك أنه تطلب البيان ممن هو أعلم بالقرآن.
الثالث: من وجوه السنة للقرآن أن تكون دالة على حكم سكت عنه القرآن كالحكم بطهورية ماء البحر وحل ميتته, وكتحريم لحوم الحمر الأهلية, وتحريم كل ذي مخلب من الطير وكل ذي ناب من السباع, وتحريم ربا الفضل, وتحريم الجمع بين البنت وعمتها أو خالتها.
فهذه الأحكام كلها استقلت السنة بتشريعها وليس للقرآن نص فيها، لكنها لا تخرج عنه إذ لا سبيل للفصل بينه وبين السنة، أليس هو الآمر بأخذ كل ما فيها والانتهاء عن كل ما نهت عنه.
الرابع: قد ترد السنة ناسخة لحكم ثبت بالكتاب على رأي من يقول بنسخ السنة للقرآن، فهناك رأيان للعلماء في هذه المسألة، الأول قال به الأحناف فجوزوا نسخ الكتاب بالسنة المتواترة والمشهورة، وحجتهم في ذلك أن المتواتر قطعي الثبوت كالقرآن, والمشهور قد اكتسب من القوة نظرا لاشتهاره في أيدي العلماء، وعمل الفقهاء به ما يلحقه بالمتواتر، والمتواتر والمشهور وحي غير متلو, فلا مانع من أن ينسخ بهما الوحي المتلو, ومثلوا للنسخ بالمشهور بالمسح على الخفين وللنسخ بالمتواتر نسخ الوصية للوالدين ولسائر الوارثين لذوي القرابات بحديث "لا وصية لوارث" والرأي،