للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني، رأي الجمهور القائل: بأنه لا يجوز نسخ الكتاب بالسنة سواء كانت متواترة أو غير متواترة، وقد استدل الجمهور بقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} ١ قالوا: وليست السنة مثل القرآن فضلا عن أن تكون خيرا منه، واستدلوا أيضا بقوله تعالى: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى} ٢, فدل ذلك على أنه متبع لكل ما يوحى إليه، وغير مبدل له والنسخ تبديل, ثم إنه مكلف ببيان ما نزل إليه ليعمل الناس بالمنزل.

والقول بنسخ السنة للكتاب معناه: تعطيل للمنزل والعمل بغيره، واستدل الجمهور أيضا بأن "مع نسخ الكتاب بالسنة أقرب إلى صيانة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طعن الطاعنين فيه، وبالاتفاق يجب المصير في باب بيان أحكام الشرع إلى طريق يكون أبعد عن الطعن فيه, وذلك أنه إذا جاء منه أن يقول ما هو مخالف للمنزل في الظاهر على وجه النسخ له, فالطاعن يقول: "هو أول قائل وأول عامل بخلاف ما يزعم أنه أنزل عليه، فكيف يعتمد قوله فيه؟ وإذا ظهر منه قول, ثم قرأ ما هو مخالف لما ظهر منه من القول, فالطاعن يقول: قد كذبه ربه فيما قال فكيف نصدقه؟ وإلى هذا أشار بقوله: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} ٣, ثم نفى عنه هذا الطعن بقوله: {قُلْ نَزَّلَهُ


١ سورة البقرة: ١٠٦.
٢ سورة يونس: ١٥.
٣ سورة النحل: ١٠١.

<<  <   >  >>