للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وأرادت عائشة رضي الله عنها أن تجيب سائلها عن هذا الخلق العظيم، الجواب المقنع الموضح طاب لها أن تقول: "كان خلقه القرآن". على ما رواه مسلم. معنى هذا أنه تمثل القرآن فكان قرآنا يمشي على الأرض.

وتمثل أصحابه خلقه، فهو الأسوة الحسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا, وأي الخَلْق أرجى لله واليوم الآخر من أصحاب محمد؟ وأي الناس أذكر لربهم منهم؟ إن منهم الأرجى والأذكر والأتقى والأشكر، بل هم جماع الفضائل كلها، واختارهم الله ليكونوا مادة دينه، وحملة شرعه ونقلة وحيه، وألزمهم كلمة التقوى، وكانوا أحق بها وأهلها فاستعذبوا الصعاب في سبيل خدمة عقيدتهم, سألوا واستفتوا واسترشدوا واستشهدوا، وتحققوا ودققوا طلبا للفهم وطمعا في الهضم، حضروا وشهدوا, ثم بعدوا في الأرض يبلغون ما شهدوه لمن غابوا عنه.

ويبدو أنهم كانوا موصلين جيدين لنور النبوة وإشراقها إلى كل من لقوا, فإذا بهم يؤثرون تأثير السحر فيمن بلغوه ما سمعوه، فصادفت دعوتهم صدى طيبا، ولقيت تجاوبا سريعا, وآتت أكلها أضعافا مضاعفة إيمانا تفيض به القلوب ويقينا تفعم بها الأفئدة، وتأثرا بالرسالة والرسول إلى حد أن هناك من المبلغين المدعوين من أخرجه الشوق من بلده وولده, وقصد المدينة يريد لقاء النبي صلى الله عليه وسلم غير مكتف بما حدث به عنه، بل متطلعا إلى رتبة المشافهة والأخذ المباشر من صاحب الرسالة في العرض والقراءة على المحدث. أخرج لنا البخاري بسند عن أنس بن مالك

<<  <   >  >>