يَقُولُهُ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَغَيْرِهِ وَيُنْكِرُونَ أَنَّ الرُّوحَ تَبْقَى بَعْدَ فِرَاقِ الْبَدَنِ، وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ، وَقَدْ خَالَفَهُ أَصْحَابُهُ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ، بَلْ قَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ أَنَّ الرُّوحَ تَبْقَى بَعْدَ فِرَاقِ الْأَبْدَانِ وَأَنَّهَا مُنَعَّمَةٌ أَوْ مُعَذَّبَةٌ.
قَالَ وَالْفَلَاسِفَةُ الْإِلَهِيُّونَ يُقِرُّونَ بِذَلِكَ لَكِنْ يُنْكِرُونَ مَعَادَ الْأَبْدَانِ، وَهَؤُلَاءِ يُقِرُّونَ بِمَعَادِ الْأَبْدَانِ لَكِنْ يُنْكِرُونَ مَعَادَ الْأَرْوَاحِ وَنَعِيمَهَا وَعَذَابَهَا بِدُونِ الْأَبْدَانِ، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ وَضَلَالٌ. نَعَمْ قَوْلُ الْفَلَاسِفَةِ أَبْعَدُ عَنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ وَافَقَهُمْ عَلَيْهِ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَتَمَسَّكُ بِدِينِ الْإِسْلَامِ بَلْ يَظُنُّ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَالتَّصَوُّفِ وَ (التَّحْقِيقِ فِي) الْكَلَامِ.
(الْقَوْلُ الثَّالِثُ) مِنَ الشَّوَاذِّ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْبَرْزَخَ لَيْسَ فِيهِ نَعِيمٌ وَلَا عَذَابٌ بَلْ (لَا) يَكُونُ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ الْكُبْرَى كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يُنْكِرُ عَذَابَ الْقَبْرِ وَنَعِيمَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرُّوحَ لَا تَبْقَى بَعْدَ فِرَاقِ الْبَدَنِ وَأَنَّ الْبَدَنَ لَا يُنَعَّمُ وَلَا يُعَذَّبُ، فَجَمِيعُ هَؤُلَاءِ الطَّوَائِفِ ضُلَّالٌ فِي أَمْرِ الْبَرْزَخِ إِلَّا أَنَّهُمْ خَيْرٌ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ لِأَنَّهُمْ مُقِرُّونَ بِالْقِيَامَةِ الْكُبْرَى. انْتَهَى.
فَإِذَا عَلِمْتَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ وَعَرَفْتَ بُطْلَانَهَا فَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا مَاتَ يَكُونُ فِي نَعِيمٍ أَوْ عَذَابٍ وَأَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ لِرُوحِهِ وَبَدَنِهِ وَأَنَّ الرُّوحَ تَبْقَى بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْبَدَنِ مُنَعَّمَةً أَوْ مُعَذَّبَةً وَأَنَّهَا تَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ أَحْيَانًا فَيَحْصُلُ لَهُ مَعَهَا النَّعِيمُ وَالْعَذَابُ ثُمَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ الْكُبْرَى أُعِيدَتِ الْأَرْوَاحُ إِلَى الْأَجْسَادِ وَقَامُوا مِنْ قُبُورِهِمْ إِلَى رَبِّ الْمَعَادِ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَالَّذِينَ قَالُوا إِنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ يَجْرِي عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ رَدِّ الْأَرْوَاحِ إِلَى الْأَجْسَادِ وَأَنَّ الْمَيِّتَ يَجُوزُ أَنْ يَأْلَمَ وَيُحِسَّ بِالْأَلَمِ وَيَعْلَمَ بِلَا رُوحٍ هُمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْكَرَامِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُعَذِّبُ الْمَوْتَى فِي قُبُورِهِمْ وَيُحْدِثُ فِيهِمُ الْآلَامَ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَإِذَا حُشِرُوا وَجَدُوا تِلْكَ الْآلَامَ وَأَحَسُّوا بِهَا، قَالُوا وَسَبِيلُ الْمُعَذَّبِينَ مِنَ الْمَوْتَى سَبِيلُ السَّكْرَانِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ لَوْ ضَرَبُوهُمْ لَمْ يَجِدُوا الْآلَامَ فَإِذَا عَادَ إِلَيْهِمُ الْعَقْلُ أَحَسُّوا بِأَلَمِ الضَّرْبِ، وَأَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَذَابَ الْقَبْرِ رَأْسًا مِثْلَ (ضِرَارِ) بْنِ عَمْرٍو وَيَحْيَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute