مَا جَازَتْ لِلْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو قَطُّ شَهَادَةٌ فِي الْإِسْلَامِ - عَلَى مَا قَدْ نَقَلَ وَسَائِرُ الْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، قَالَ وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ هُوَ الَّذِي صَحَّ أَيْضًا عَنِ الصَّحَابَةِ، وَذَكَرَ آثَارًا يَزْعُمُ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ.
قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ: إِنْ أَرَادَ ابْنُ حَزْمٍ بِقَوْلِهِ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْمَيِّتَ يَحْيَا فِي قَبْرِهِ الْحَيَاةَ الْمَعْهُودَةَ فِي الدُّنْيَا الَّتِي تَقُومُ فِيهَا الرُّوحُ بِالْبَدَنِ وَتُصَرِّفُهُ وَتُدَبِّرُهُ وَيَحْتَاجُ مَعَهَا إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَاللِّبَاسِ فَهَذَا خَطَأٌ كَمَا قَالَ وَالْحِسُّ وَالْعَقْلُ يُكَذِّبُهُ كَمَا يُكَذِّبُهُ النَّصُّ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ حَيَاةً أُخْرَى غَيْرَ هَذِهِ الْحَيَاةِ بَلْ تُعَادُ إِلَيْهِ الرُّوحُ إِعَادَةً غَيْرَ الْإِعَادَةِ الْمَأْلُوفَةِ فِي الدُّنْيَا لِيُسْأَلَ وَيُمْتَحَنَ فِي قَبْرِهِ فَهَذَا حَقٌّ وَنَفْيُهُ خَطَأٌ وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ النَّصُّ الصَّحِيحُ الصَّرِيحُ وَهُوَ قَوْلُهُ: " «فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ» " فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «كُنَّا فِي جِنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ وَهُوَ يُلْحِدُ فَقَالَ: " أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي إِقْبَالٍ عَلَى الْآخِرَةِ وَانْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا نَزَلَتْ إِلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ فَجَلَسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ، قَالَ فَتَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، قَالَ فَيَصْعَدُونَ بِهَا» - الْحَدِيثَ -.
وَفِيهِ: «فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى، فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ رَبِّيَ اللَّهُ، فَيَقُولَانِ لَهُ مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ دِينِيَ الْإِسْلَامُ، فَيَقُولَانِ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولَانِ لَهُ وَمَا عِلْمُكَ؟ فَيَقُولُ قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ» - الْحَدِيثَ -.
وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْكَافِرِ وَفِيهِ: فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ - الْحَدِيثَ - رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ أَوَّلَهُ وَرَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ الْإِسْفَرَائِينِيُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute