للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِذَلِكَ تَعَدَّتْ كُلُّهَا بِعَلَى، وَاتَّفَقَتْ فِي اللَّفْظِ الْمُشْتَقِّ مِنَ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَجُزْ صَلَّيْتُ عَلَى الْعَدُوِّ أَيْ دَعَوْتُ عَلَيْهِ، فَقَدْ صَارَ مَعْنَى الصَّلَاةِ أَرَقَّ وَأَبْلَغَ مِنْ مَعْنَى الرَّحْمَةِ وَإِنْ كَانَ رَاجِعًا إِلَيْهِ، إِذْ لَيْسَ كُلُّ رَاحِمٍ يَنْحَنِي عَلَى الْمَرْحُومِ، وَيَنْعَطِفُ عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ الرَّحْمَةِ. انْتَهَى.

" وَالسَّلَامُ " بِمَعْنَى التَّحِيَّةِ وَالسَّلَامَةِ مِنَ النَّقَائِصِ وَالرَّذَائِلِ. وَفِي الْمَطْلَعِ: قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي قَوْلِكَ السَّلَامُ عَلَيْكَ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: اسْمُ السَّلَامِ، وَمَعْنَاهُ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْكَ، وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:

إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا ... وَمَنْ يَبْكِ حَوْلًا كَامِلًا فَقَدِ اعْتَذَرْ

وَالثَّانِي: سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ تَسْلِيمًا وَسَلَامًا، وَمَنْ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَلِمَ مِنَ الْآفَاتِ كُلِّهَا. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي (مِفْتَاحِ الْحِصْنِ) : وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، فَهُوَ الْأَوْلَى وَالْأَكْمَلُ وَالْأَفْضَلُ، لِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: ٥٦] ، وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا، جَازَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، فَقَدْ جَرَى عَلَيْهِ جَمْعٌ، مِنْهُمْ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ. وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا نَصَّ عَلَى الْكَرَاهَةِ، حَتَّى إِنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ نَفْسَهُ اقْتَصَرَ عَلَى الصَّلَاةِ دُونَ تَسْلِيمٍ فِي خُطْبَةِ الرِّسَالَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(سَرْمَدًا) أَيْ دَائِمًا مُتَّصِلًا عَلَى مَمَرِّ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: السَّرْمَدُ الدَّائِمُ وَالطَّوِيلُ مِنَ اللَّيَالِي. أَيْ: صَلَاةً وَسَلَامًا مُمْتَدَّيْنِ دَائِمَيْنِ امْتِدَادًا دَائِمًا سَرْمَدًا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(عَلَى النَّبِيِّ) قَالَ فِي الْمَطْلَعِ: يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ، فَمَنْ جَعَلَهُ مِنَ النَّبَأِ هَمَزَهُ ; لِأَنَّهُ يُنْبِئُ النَّاسَ عَنِ اللَّهِ، وَلِأَنَّهُ يُنَبَّأُ هُوَ بِالْوَحْيِ، وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْ، فَإِمَّا سَهَّلَهُ وَإِمَّا أَخَذَهُ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَهِيَ الرِّفْعَةُ لِارْتِفَاعِ مَنَازِلِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْخَلْقِ، وَقِيلَ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّبِيِّ الَّذِي هُوَ الطَّرِيقُ ; لِأَنَّهُمُ الطُّرُقُ الْمُوَصِّلَةُ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى. وَهُوَ إِنْسَانٌ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِشَرْعٍ، وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِهِ، فَإِنْ أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ فَهُوَ رَسُولٌ أَيْضًا عَلَى الْمَشْهُورِ، فَبَيْنَ النَّبِيِّ وَالرَّسُولِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ، فَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ، وَلَيْسَ كُلُّ نَبِيٍّ رَسُولًا. وَالرَّسُولُ أَفْضَلُ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>