النَّبِيِّ إِجْمَاعًا ; لِتَمَيُّزِهِ بِالرِّسَالَةِ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ مِنَ النُّبُوَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَوَجْهُ تَفْضِيلِ الرِّسَالَةِ ; لِأَنَّهَا تُثْمِرُ هِدَايَةَ الْأُمَّةِ، وَالنُّبُوَّةُ قَاصِرَةٌ عَلَى النَّبِيِّ، فَنِسْبَتُهَا إِلَى النُّبُوَّةِ كَنِسْبَةِ الْعَالِمِ إِلَى الْعَابِدِ، ثُمَّ إِنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيهِمَا مَعَ اتِّحَادِ مَحَلِّهِمَا وَقِيَامِهِمَا مَعًا بِشَخْصٍ وَاحِدٍ - أَمَّا مَعَ تَعَدُّدِ الْمَحَلِّ فَلَا خِلَافَ فِي أَفْضَلِيَّةِ الرِّسَالَةِ عَلَى النُّبُوَّةِ - ضَرُورَةُ جَمْعِ الرِّسَالَةِ لَهَا مَعَ زِيَادَةٍ (الْمُصْطَفَى) أَيِ الْمُخْتَارُ وَالْمُسْتَخْلَصُ مَأْخُوذٌ مِنَ الصَّفْوَةِ مُثَلَّثَةً، يُقَالُ: اسْتَصْفَى الشَّيْءَ: أَخَذَ مِنْهُ صَفْوَهُ، وَاخْتَارَهُ كَاصْطَفَاهُ، وَفِي مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ» ". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُهُ: " «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بَنِي كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» ".
(كَنْزِ) أَيْ مَعْدِنُ وَمَقَرُّ (الْهُدَى) وَمَوْضِعُهُ الَّذِي نَشَأَ عَنْهُ وَاسْتَقَرَّ لَدَيْهِ، وَالْكَنْزُ فِي الْأَصْلِ الْمَالُ الْمَدْفُونُ تَحْتَ الْأَرْضِ، وَفِي الْحَدِيثِ: " «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ» ". أَيْ أَجْرُهَا مُدَّخَرٌ لِقَائِلِهَا وَالْمُتَّصِفِ بِهَا، كَمَا يُدَّخَرُ الْكَنْزُ الْمَدْفُونُ لِصَاحِبِهِ. وَالْهُدَى فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ كَالسُّرَى وَالتُّقَى، وَمَعْنَاهُ الرَّشَادُ وَالدَّلَالَةُ وَلَوْ غَيْرَ مُوصِلَةٍ، وَمِنْ أَسْمَائِهِ - تَعَالَى - الْهَادِي، وَهُوَ الَّذِي بَصَّرَ عِبَادَهُ وَعَرَّفَهُمْ طُرُقَ مَعْرِفَتِهِ حَتَّى أَقَرُّوا بِرُبُوبِيَّتِهِ، وَهَدَى كُلَّ مَخْلُوقٍ إِلَى مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فِي بَقَائِهِ وَدَوَامِ وُجُودِهِ، وَفِي الْحَدِيثِ: " «الْهُدَى الصَّالِحُ وَالسَّمْتُ الصَّالِحُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» ". الْمُرَادُ بِالْهُدَى هُنَا السِّيرَةُ وَالْهَيْئَةُ وَالطَّرِيقَةُ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ الْخِلَالَ مِنْ شَمَائِلِ الْأَنْبِيَاءِ وَخِصَالِهِمُ الْحَمِيدَةِ، وَأَنَّهَا جُزْءٌ مَعْلُومٌ مِنْ جَزَاءِ أَفْعَالِهِمْ، لَا أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ النُّبُوَّةَ تَتَجَزَّأُ، وَلَا أَنَّ مَنْ جَمَعَ هَذِهِ الْخِلَالَ كَانَ فِيهِ جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّ النُّبُوَّةَ غَيْرُ مُكْتَسَبَةٍ وَلَا مُجْتَلَبَةٍ بِالْأَسْبَابِ، وَإِنَّمَا هِيَ كَرَامَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute