بِبِئْرِ زَمْزَمَ وَأَرْوَاحُ الْكُفَّارِ بِبِئْرِ بَرَهُوتَ.
وَقَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ فِي بَرْزَخٍ مِنَ الْأَرْضِ تَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَتْ. وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ بَلْ هُوَ مُسْتَنِدٌ لَهُ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ يَمِينِ آدَمَ وَأَرْوَاحُ الْكُفَّارِ عَنْ شِمَالِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَمَنْ وَافَقَهُ مُسْتَقَرُّهَا حَيْثُ كَانَتْ قَبْلَ خَلْقِ أَجْسَادِهَا. بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ الَّذِي اخْتَارَهُ وَهُوَ أَنَّ الْأَرْوَاحَ مَخْلُوقَةٌ قَبْلَ الْأَجْسَادِ، وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ.
قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ: جُمْهُورُ النَّاسِ عَلَى أَنَّ الْأَرْوَاحَ خُلِقَتْ بَعْدَ الْأَجْسَادِ وَالَّذِينَ قَالُوا خُلِقَتْ قَبْلَ الْأَجْسَادِ لَيْسَ مَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إِجْمَاعٍ إِلَّا مَا فَهِمُوهُ مِنْ نُصُوصٍ لَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَدَارَ حُجَجِهِمْ عَلَى أَخْبَارٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ أَوْ نُصُوصٍ صَحِيحَةٍ وَلَكِنَّ دَلَالَتَهَا عَلَى مَا زَعَمُوهُ غَيْرُ صَرِيحَةٍ، وَقَوْلُهُ مُسْتَقَرُّهَا بَعْدَ مُفَارَقَةِ أَبْدَانِهَا فِي الْبَرْزَخِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ قَبْلَ خَلْقِ أَجْسَادِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنَ اعْتِقَادِهِ وَأَنَّ أَرْوَاحَ السُّعَدَاءِ عَنْ يَمِينِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَرْوَاحَ الْأَشْقِيَاءِ عَنْ يَسَارِهِ، وَزَعْمُهُ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ مُنْقَطِعِ الْعَنَاصِرِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا يُشْبِهُ أَقْوَالَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَرْوَاحَ فَوْقَ الْعَنَاصِرِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَدِلَّةُ الْقُرْآنِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ وَافَقَ ابْنُ حَزْمٍ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ فِي الْجَنَّةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصِّدِّيقِينَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ فَكَيْفَ تَكُونُ رُوحُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَأَشْبَاهِهِمْ عِنْدَ مُنْقَطِعِ الْعَنَاصِرِ وَذَلِكَ تَحْتَ هَذَا الْعَالَمِ الْأَدْنَى تَحْتَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَتَكُونُ أَرْوَاحُ شُهَدَاءِ زَمَانِنَا فَوْقَ الْعَنَاصِرِ وَفَوْقَ السَّمَاوَاتِ.
وَأَمَّا زَعْمُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّ الْإِمَامَ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ ذَكَرَ مَا قَالَهُ وَذَهَبَ إِلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَقَالَ عَلَى هَذَا جَمِيعُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ - بَاطِلٌ، فَإِنَّ إِسْحَاقَ لَمْ يَقُلْ إِنَّ مُسْتَقَرَّ الْأَرْوَاحِ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْعَنَاصِرِ وَإِنَّمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِهِ الرَّدِّ عَلَى ابْنِ قُتَيْبَةَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: ١٧٢] الْآيَةَ فَذَكَرَ الْآثَارَ الَّتِي ذَكَرَهَا السَّلَفُ مِنَ اسْتِخْرَاجِ ذُرِّيَّةِ آدَمَ مِنْ صُلْبِهِ ثُمَّ أَخْذِ الْمِيثَاقِ عَلَيْهِمْ وَرَدِّهِمْ فِي صُلْبِهِ وَأَنَّهُ أَخْرَجَهُمْ مِثْلَ الذَّرِّ وَأَنَّهُ قَسَّمَهُمْ إِذْ ذَاكَ إِلَى شَقِيٍّ وَسَعِيدٍ وَكَتَبَ آجَالَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute