وَأَرْزَاقَهُمْ وَأَعْمَالَهُمْ وَمَا يُصِيبُهُمْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، ثُمَّ قَالَ قَالَ إِسْحَاقُ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهَا الْأَرْوَاحُ قَبْلَ الْأَجْسَادِ اسْتَنْطَقَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ الْآيَةَ أَنْ تَقُولُوا إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ. هَذَا نَصُّ كَلَامِهِ وَهُوَ كَمَا تَرَى لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُسْتَقَرَّ الْأَرْوَاحِ مَا ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ حَيْثُ مُنْقَطِعُ الْعَنَاصِرِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ بَلْ وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَرْوَاحَ كَانَتْ قَبْلَ الْأَجْسَادِ بَلْ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخْرَجَهَا حِينَئِذٍ فَخَاطَبَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إِلَى صُلْبِ آدَمَ. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ كَمَا مَرَّ فَالَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ وَالْجُمْهُورُ خِلَافُهُ. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ خَلْقَ الْأَرْوَاحِ قَبْلَ الْأَجْسَادِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُسْتَقَرَّ الْأَرْوَاحِ حَيْثُ مُنْقَطِعُ الْعَنَاصِرِ وَلَا أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ كَانَ مُسْتَقَرَّهَا أَوَّلًا.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مُسْتَقَرُّ الْأَرْوَاحِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ أَبْدَانِهَا الْعَدَمُ الْمَحْضُ، وَهَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ فَإِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْقَوْلِ يَزْعُمُ أَنَّ الرُّوحَ عَرَضٌ مِنْ أَعْرَاضِ الْبَدَنِ وَهُوَ الْحَيَاةُ وَقَالَ بِهِ الْبَاقِلَّانِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ وَكَذَا قَالَ أَبُو الْهُذَيْلِ الْعَلَّافُ الْمُعْتَزِلِيُّ النَّفْسُ عَرَضٌ مِنَ الْأَعْرَاضِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ أَنَّهُ الْحَيَاةُ كَمَا عَيَّنَهُ ابْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ بَلْ قَالَ الرُّوحُ عَرَضٌ كَسَائِرِ أَعْرَاضِ الْجِسْمِ، وَهَؤُلَاءِ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْجِسْمَ إِذَا مَاتَ عُدِمَتْ رُوحُهُ فَلَا تُعَذَّبُ وَلَا تُنَعَّمُ وَإِنَّمَا يُعَذَّبُ وَيُنَعَّمُ الْجَسَدُ إِذَا شَاءَ اللَّهُ تَعْذِيبَهُ وَتَنْعِيمَهُ رَدَّ إِلَيْهِ الْحَيَاةَ فِي وَقْتٍ يُرِيدُ تَنْعِيمَهُ وَتَعْذِيبَهُ وَإِلَّا فَلَا رُوحَ هُنَاكَ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا أَلْبَتَّةَ. وَقَالَ بَعْضُ أَرْبَابِ هَذَا الْقَوْلِ تُرَدُّ الْحَيَاةُ إِلَى عَجْبِ الذَّنَبِ، قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ وَهَذَا قَوْلٌ يَرُدُّهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَأَدِلَّةُ الْعُقُولِ وَالْفِطَرِ، قَالَ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ رُوحَهُ فَضْلًا عَنْ رُوحِ غَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى مُسْتَقَرُّ الْأَرْوَاحِ بَعْدَ الْمَوْتِ أَبْدَانٌ أُخَرُ غَيْرُ هَذِهِ الْأَبْدَانِ فَهَذَا فِيهِ حَقٌّ وَبَاطِلٌ فَحَقُّهُ مَا أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ عَنْ أَرْوَاحِ الشُّهَدَاءِ أَنَّهَا فِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ بِالْعَرْشِ هِيَ لَهَا كَالْأَوْكَارِ لِلطَّائِرِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ جَعَلَ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ، وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " «نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلُقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ» " يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الطَّائِرُ مَرْكَبًا لِلرُّوحِ كَالْبَدَنِ لَهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute