دَوْمَةَ هُوَ الْمَلَكُ الَّذِي عَلَى أَرْوَاحِ الْكُفَّارِ، قَالَ سُفْيَانُ وَسَأَلْنَا الْحَضْرَمِيِّينَ فَقَالُوا لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ يَبِيتُ فِيهِ بِاللَّيْلِ.
قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ الرُّوحِ فَهَذِهِ جُمْلَةُ مَا عَلِمْتُهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ فَإِنْ أَرَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو بِالْجَابِيَةِ التَّمْثِيلَ وَالتَّشْبِيهَ وَأَنَّهَا تَجْتَمِعُ فِي مَكَانٍ فَسِيحٍ يُشْبِهُ الْجَابِيَةَ لِسَعَتِهِ وَطِيبِ هَوَاهُ فَهَذَا قَرِيبٌ وَإِنْ أَرَادَ نَفْسَ الْجَابِيَةِ دُونَ سَائِرِ الْأَرْضِ فَهَذَا لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِالتَّوْقِيفِ وَلَعَلَّهُ مِمَّا تَلَقَّاهُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهَا تَجْتَمِعُ فِي الْأَرْضِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: ١٠٥] فَهَذَا إِنْ كَانَ قَالَهُ تَفْسِيرًا لِلْآيَةِ فَلَيْسَ هُوَ تَفْسِيرًا لَهَا، وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هِيَ أَرْضُ الْجَنَّةِ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهَا الدُّنْيَا الَّتِي فَتَحَهَا اللَّهُ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْمُحَقِّقُ: وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ النُّورِ {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: ٥٥] وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «زُوِيَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَشَارِقُهَا وَمَغَارِبُهَا وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا» ".
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ فِي الْآيَةِ أَرْضُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَهِيَ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي أَوْرَثَهَا عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ وَلَيْسَتِ الْآيَةُ مُخْتَصَّةً بِهَا. وَأَمَّا قَوْلُ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ وَافَقَهُ إِنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فِي بَرْزَخٍ مِنَ الْأَرْضِ تَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَتْ فَالْبَرْزَخُ هُوَ الْحَاجِزُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَكَأَنَّ سَلْمَانَ أَرَادَ أَنَّهَا فِي أَرْضِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مُرْسَلَةً هُنَاكَ حَيْثُ شَاءَتْ. قَالَ الْمُحَقِّقُ هَذَا قَوْلٌ قَوِيٌّ فَإِنَّهَا قَدْ فَارَقَتِ الدُّنْيَا وَلَمْ تَلِجِ الْآخِرَةَ بَلْ هِيَ فِي بَرْزَخٍ بَيْنَهُمَا فَهِيَ فِي بَرْزَخٍ وَاسِعٍ فِيهِ الرَّوْحُ وَالرَّيْحَانُ وَالنَّعِيمُ، وَأَمَّا أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ فَفِي بَرْزَخٍ ضَيِّقٍ فِيهِ الْغَمُّ وَالْعَذَابُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: ١٠٠] وَأَمَّا مَنْ قَالَ أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ فِي عِلِّيِّينَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَأَرْوَاحُ الْكُفَّارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute