فِي سِجِّينٍ فِي الْأَرْضِ السَّابِعَةِ، فَهَذَا قَدْ قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ " «اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى» ".
وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فِي عِلِّيِّينَ بِحَسَبِ مَنَازِلِهِمْ وَأَرْوَاحَ الْكُفَّارِ فِي سِجِّينٍ بِحَسَبِ مَنَازِلِهِمْ وَمَا تَؤُولُ إِلَيْهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ يَمِينِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَرْوَاحَ الْكُفَّارِ عَنْ يَسَارِهِ - قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ هَذَا قَوْلٌ يُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ وَهُوَ حَدِيثُ الْإِسْرَاءِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْحَدِيثِ " «فَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، قُلْتُ لِجِبْرِيلَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ هَذَا آدَمُ وَهَذِهِ الْأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَالْأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ» " قَالَ الْقَسْطَلَانِيُّ فِي الْمَوَاهِبِ: الْأَسْوِدَةُ بِوَزْنِ أَزْمِنَةٍ هِيَ الْأَشْخَاصُ، وَالنَّسَمُ بِالنُّونِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ جَمْعُ نَسَمَةٍ وَهِيَ الرُّوحُ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ جَاءَ أَنَّ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ فِي سِجِّينٍ وَأَنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ مُنَعَّمَةٌ فِي الْجَنَّةِ: يَعْنِي فَكَيْفَ تَكُونُ مُجْتَمِعَةً فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا تُعْرَضُ عَلَى آدَمَ أَحْيَانًا فَوَافَقَ عَرْضُهَا مُرُورَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَدُلُّ عَلَى كَوْنِ أَرْوَاحِ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ فِي أَوْقَاتٍ دُونَ أَوْقَاتٍ قَوْلُهُ تَعَالَى {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر: ٤٦] . وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ لَا تُفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ كَمَا هُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ، وَالْجَوَابُ مَا أَبْدَاهُ احْتِمَالًا أَنَّ الْجَنَّةَ كَانَتْ مِنْ جِهَةِ يَمِينِ آدَمَ وَالنَّارِ فِي جِهَةِ شِمَالِهِ فَكَانَ يُكْشَفُ لَهُ عَنْهُمَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَةِ آدَمَ لَهَا وَهُوَ فِي السَّمَاءِ أَنْ تُفْتَحَ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا تَلِجَهَا، قَالَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَ الْبَزَّارِ) «فَإِذَا عَنْ يَمِينِهِ بَابٌ يَخْرُجُ مِنْهُ رِيحٌ طَيِّبَةٌ وَعَنْ شِمَالِهِ بَابٌ يَخْرُجُ مِنْهُ رِيحٌ خَبِيثَةٌ إِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ اسْتَبْشَرَ وَإِذَا نَظَرَ عَنْ شِمَالِهِ حَزِنَ» " قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَهَذَا لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ أَوْلَى مِنْ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَلَكِنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ. انْتَهَى.
وَقَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الرُّوحِ: لَا تَدُلُّ رُؤْيَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ كَذَلِكَ عَلَى تَعَادُلِهِمْ فِي الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ بَلْ يَكُونُ هَؤُلَاءِ عَنْ يَمِينِهِ فِي الْعُلُوِّ وَالسَّعَةِ وَهَؤُلَاءِ عَنْ يَسَارِهِ فِي السُّفْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute