للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَائِدَةٌ) ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ كَغَيْرِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُكَلِّمُ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْحِسَابِ مِنْ غَيْرِ تُرْجُمَانٍ إِكْرَامًا لَهُمْ، وَلَا يُكَلِّمُ الْكَافِرِينَ، بَلْ تُحَاسِبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ إِهَانَةً لَهُمْ، وَتَمْيِيزًا لِأَهْلِ الْكَرَامَةِ.

وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ:

" «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا مَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا؛ فَإِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَفِ لَهُ، وَرَجُلٌ يُبَايِعُ رَجُلًا بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَى كَذَا وَكَذَا - فَصَدَّقَهُ، وَلَمْ يُعْطِ بِهَا» ".

(الْخَامِسُ)

ثَبَتَ فِي عِدَّةِ أَخْبَارٍ عَنِ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَرَّ اللَّيْلُ عَلَى النَّهَارِ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِلَا ارْتِيَابٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ فَيَدْخُلُونَ جَنَّاتِ النَّعِيمِ قَبْلَ وَضْعِ الْمَوَازِينِ، وَأَخْذِ الصُّحُفِ بِالشِّمَالِ وَالْيَمِينِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ، وَغَيْرُهُمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ:

" عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ يَمُرُّ النَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلُ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلَانِ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّهْطُ، فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا فَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ أُمَّتِي، فَقِيلَ لِي: هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، ثُمَّ قِيلَ لِيَ انْظُرْ؛ فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ، فَقِيلَ هَكَذَا وَهَكَذَا فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا، فَقِيلَ لِي: هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ، وَمَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَذَاكَرَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا مَا قَالُوا، أَمَّا نَحْنُ فِي الشِّرْكِ، وَلَكِنْ قَدْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، هَؤُلَاءِ أَبْنَاؤُنَا.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ " فَقَامَ عُكَاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ:

فَقَالَ: أَنَا مِنْهُمْ؟ وَفِي لَفْظٍ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ أَكُونَ مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:

نَعَمْ، ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَنَا مِنْهُمْ؟ فَقَالَ: " سَبَقَكَ بِهَا عُكَاشَةُ» . قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ (الدَّاءُ وَالدَّوَاءُ) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَبَقَكَ بِهَا عُكَاشَةُ، لَمْ يُرِدْ أَنَّ عُكَاشَةَ وَحْدَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>