للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا تَرْتَفِعَ، وَتُرْفَعُ الْمَظْلَمَةُ ارْتِفَاعَ الْفَارِغَةِ الْخَالِيَةِ، قَالَ: وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَيُوضَعُ كُفْرُهُمْ وَأَوْزَارُهُمْ فِي الْكِفَّةِ الْمُظْلِمَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ أَعْمَالُ بِرٍّ وُضِعَتْ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى فَلَا تُقَاوِمُهَا إِظْهَارًا بِفَضْلِ الْمُتَّقِينَ وَذُلِّ الْكَافِرِينَ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يُقِيمُ اللَّهُ لَهُمْ وَزْنًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: ١٠٥] ، وَمَنْ قَالَ: تُوزَنُ أَعْمَالُهُمْ لِوُرُودِهِ فِي ظَوَاهِرِ عُمُومِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ يُجِيبُ عَنِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يُقِيمُ لَهُمْ وَزْنًا نَافِعًا كَمَا فِي قَوْلِهِ:

{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: ٢٣] أَيْ كَالْهَبَاءِ فِي عَدْلِ نَفْعِهِ، وَحُصُولِ فَائِدَتِهِ.

وَالْحَقُّ أَنَّ مُؤْمِنِي الْجِنِّ كَالْإِنْسِ فِي الْوَزْنِ، وَكَافِرَهُمْ كَكَافِرِهِمْ.

وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «يُوضَعُ الْمِيزَانُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَوْ وُزِنَ فِيهِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ لَوَسِعَهُنَّ، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبِّ لِمَنْ يَزِنُ هَذَا؟ فَيَقُولُ: لِمَنْ شِئْتُ مِنْ خَلْقِي، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ» "

وَأَخْرَجَهُ الْإِمَامُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ فِي الزُّهْدِ، وَالْآجُرِّيُّ فِي الشَّرِيعَةِ عَنْ سَلْمَانَ مَوْقُوفًا.

وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «يُؤْتَى بِابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُوقَفُ بَيْنَ كِفَّةِ الْمِيزَانِ، وَيُوَكَّلُ بِهِ مَلَكٌ، فَإِنْ ثَقُلَ مِيزَانُهُ نَادَى الْمَلَكُ بِصَوْتٍ يُسْمِعُ الْخَلَائِقَ:

سَعِدَ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ سَعَادَةً لَا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا، وَإِنْ خَفَّ مِيزَانُهُ نَادَى الْمَلَكُ بِصَوْتٍ يُسْمِعُ الْخَلَائِقَ:

أَلَا شَقِيَ فُلَانٌ شَقَاوَةً لَا يَسْعَدُ بَعْدَهَا أَبَدًا» "، وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ وَغَيْرُهُ، وَابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ:

صَاحِبُ الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَالَ الْحَسَنُ هُوَ مِيزَانٌ لَهُ كِفَّتَانِ، وَلِسَانٌ وَهُوَ بِيَدِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَيْخِ بْنُ حَيَّانَ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ:

الْمِيزَانُ لَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ. فَقَدْ دَلَّتِ الْآثَارُ عَلَى أَنَّهُ مِيزَانٌ حَقِيقِيٌّ ذُو كِفَّتَيْنِ وَلِسَانٍ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ عُلَمَاؤُنَا وَالْأَشْعَرِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدْ بَلَغَتْ أَحَادِيثُهُ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ، وَانْعَقَدَ إِجْمَاعُ أَهْلِ الْحَقِّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ:

يُحَاسَبُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>