للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَنْ كَانَتْ حَسَنَاتُهُ أَكْثَرَ مِنْ سَيِّئَاتِهِ بِوَاحِدَةٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ كَانَتْ سَيِّئَاتُهُ أَكْثَرَ مِنْ حَسَنَاتِهِ بِوَاحِدَةٍ دَخَلَ النَّارَ.

قَالَ: وَإِنَّ الْمِيزَانَ يَخِفُّ بِمِثْقَالِ حَبَّةٍ وَيَرْجَحُ، وَمَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ فَوُقِفُوا عَلَى الصِّرَاطِ.

وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ مِنْ طَرِيقِ رَبَاحِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الْجَرَّاحِ عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ حَازِمٌ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ يَبْكِي، فَقَالَ: " «مَنْ هَذَا؟ قَالَ: فُلَانٌ، قَالَ جِبْرِيلُ: أَنَا أَزِنُ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا إِلَّا الْبُكَاءَ، فَإِنَّ اللَّهَ يُطْفِئُ بِالدَّمْعِ بُحُورًا مِنْ نِيرَانِ جَهَنَّمَ» ".

وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( «مَا اغْرَوْرَقَتْ عَيْنٌ بِمَائِهَا إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ الْجَسَدَ عَلَى النَّارِ، وَلَا سَالَتْ قَطْرَةٌ عَلَى خَدِّهَا فَيَرْهَقُ ذَلِكَ الْوَجْهَ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ، وَلَوْ أَنَّ بَاكِيًا بَكَى فِي أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ لَرُحِمُوا، وَمَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا لَهُ مِقْدَارٌ وَمِيزَانٌ إِلَّا الدَّمْعَةَ فَإِنَّهَا يُطْفَأُ بِهَا بِحَارٌ مِنْ نَارٍ» ) ، وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ «حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ:

" أَنَا فَاعِلٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ " قُلْتُ:

أَيْنَ أَطْلُبُكَ؟ قَالَ:

" أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ " قُلْتُ:

فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عَلَى الصِّرَاطِ قَالَ:

" فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْمِيزَانِ " قُلْتُ، فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عِنْدَ الْمِيزَانِ قَالَ: " فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْحَوْضِ، فَإِنِّي لَا أُخْطِئُ الثَّلَاثَ مَوَاطِنَ» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ وَغَيْرِهِ.

(تَنْبِيهَاتٌ)

(الْأَوَّلُ) اخْتُلِفَ فِي الْمِيزَانِ هَلْ هُوَ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ، فَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ مِيزَانٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِ الْأُمَمِ، وَلِجَمِيعِ الْأَعْمَالِ كِفَّتَاهُ كَأَطْبَاقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كَمَا مَرَّ، وَقِيلَ: إِنَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ مِيزَانٌ.

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ:

لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ مِيزَانٌ.

قَالَ بَعْضُهُمُ: الْأَظْهَرُ إِثْبَاتُ مَوَازِينَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا مِيزَانٍ وَاحِدٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ} [الأنبياء: ٤٧] ، وَقَوْلِهِ: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [الأعراف: ٨] قَالَ: وَعَلَى هَذَا فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ لِأَفْعَالِ الْقُلُوبِ مِيزَانٌ، وَلِأَفْعَالِ الْجَوَارِحِ مِيزَانٌ، وَلِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَوْلِ مِيزَانٌ.

أَوْرَدَ هَذَا ابْنُ عَطِيَّةَ، وَقَالَ:

النَّاسُ عَلَى خِلَافِهِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ وَزْنٌ مُخْتَصٌّ بِهِ، وَالْمِيزَانُ وَاحِدٌ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا جَمَعَ الْمَوَازِينَ فِي الْآيَةِ لِكَثْرَةِ مَنْ تُوزَنُ أَعْمَالُهُمْ. وَهُوَ حَسَنٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>