مَاتَ بِلَا تَوْبَةٍ إِذِ الْمَعْصُومُ وَالتَّائِبُ وَصَاحِبُ الصَّغِيرَةِ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ النَّارِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ أُصُولِهِمْ، وَالْكَافِرُ مُخَلَّدٌ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ الْعَاصِي، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَإِنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ إِذَا مَاتَ وَلَمْ يَتُبْ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَلَمْ يُعَذِّبْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ ثُمَّ يُخْرِجُهُ، وَأَمَّا خُلُودُ الْمُؤْمِنِ الْمُصِرِّ، فَهُوَ مَذْهَبُ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَأَهْلُ الْحَقِّ عَلَى خِلَافِهِ، وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَاتٌ)
(الْأَوَّلُ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ:
الْجَانُّ أَبُو الْجِنِّ. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَفَا بْنُ عُقَيْلٍ: إِنَّمَا يُسَمَّى الْجِنُّ جِنًّا لِاجْتِنَانِهِمْ، وَاسْتِتَارِهِمْ عَنِ الْعُيُونِ، قَالَ: وَالشَّيَاطِينُ عُصَاةُ الْجِنِّ، وَهُمْ مِنْ وَلَدِ إِبْلِيسَ، وَالْمَرَدَةُ أَعْتَاهُمْ وَأَغْوَاهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْجِنُّ عِنْدَ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْعِلْمِ بِاللِّسَانِ عَلَى مَرَاتِبَ، فَإِذَا ذَكَرُوا الْجِنَّ خَالِصًا قَالُوا: جِنِّيٌّ، فَإِنْ أَرَادُوا أَنَّهُ مِمَّنْ يَسْكُنُ مَعَ النَّاسِ قَالُوا: عَامِرٌ، وَالْجَمْعُ عُمَّارٌ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْرِضُ لِلصِّبْيَانِ قَالُوا: أَرْوَاحٌ، فَإِنْ خَبُثَ وَتَعَرَّضَ قَالُوا شَيْطَانٌ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَقَوِيَ أَمْرُهُ قَالُوا: عِفْرِيتٌ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ: لَمْ يُخَالِفْ أَحَدٌ مِنْ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ فِي وُجُودِ الْجِنِّ، وَكَذَا جُمْهُورُ الْكُفَّارِ، لِأَنَّ وُجُودَهُمْ تَوَاتَرَتْ بِهِ أَخْبَارُ الْأَنْبِيَاءِ تَوَاتُرًا مَعْلُومًا بِالِاضْطِرَارِ يَعْرِفُهُ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ، وَقَالَ: وَلَمْ يُنْكِرِ الْجِنَّ إِلَّا شِرْذِمَةٌ قَلِيلَةٌ مِنْ جُهَّالِ الْفَلَاسِفَةِ وَنَحْوِهِمْ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ: كَثِيرٌ يُقِرُّ بِوُجُودِهِمْ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُمْ لَا يُرَوْنَ لِرِقَّةِ أَجْسَامِهِمْ وَنُفُوذِ الشُّعَاعِ فِيهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ لَا يُرَوْنَ لِأَنَّهُمْ لَا أَلْوَانَ لَهُمْ، وَقَدْ ذَكَرَ إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ فِي الْمُبْتَدَأِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: خُلِقَ الْجِنُّ قَبْلَ آدَمَ بِأَلْفَيْ سَنَةٍ، وَقَالَ إِسْحَاقُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى سَوْمًا أَبَا الْجِنِّ؟ وَهُوَ الَّذِي خُلِقَ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ قَالَ لَهُ تَعَالَى: تَمَنَّ، قَالَ: أَتَمَنَّى أَنْ نَرَى وَلَا نُرَى، وَأَنْ نَغِيبَ فِي الثَّرَى، وَيَصِيرَ كَهْلُنَا شَابًّا. فَأُعْطِيَ ذَلِكَ، فَهُمْ يَرَوْنَ وَلَا يُرَوْنَ، وَإِذَا مَاتُوا غُيِّبُوا فِي الثَّرَى، وَلَا يَمُوتُ كَهْلُهُمْ حَتَّى يَعُودَ شَابًّا يَعْنِي مِثْلَ الصَّبِيِّ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ.
وَأَخْرَجَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute