مُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ الصِّدِّيقَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ» ".
وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: ١٥] قَالَ: اللَّهَبُ الْأَصْفَرُ وَالْأَخْضَرُ الَّذِي يَعْلُو النَّارَ إِذَا أُوقِدَتْ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: خُلِقَتِ الْجِنُّ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي الْقُرْآنِ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: خُلِقَ الْجَانُّ وَالشَّيَاطِينُ مِنْ نَارِ الشَّمْسِ. انْتَهَى.
وَقَالَ أَبُو الْوَفَا بْنُ عُقَيْلٍ فِي الْفُنُونِ: سَأَلَ سَائِلٌ عَنِ الْجِنِّ، فَقَالَ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ مِنْ نَارٍ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الشُّهُبَ تَضُرُّهُمْ وَتُحْرِقُهُمْ، فَكَيْفَ تُحْرِقُ النَّارُ النَّارَ؟ قَالَ: وَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَضَافَ الشَّيَاطِينَ وَالْجَانَّ إِلَى النَّارِ حَسْبَ مَا أَضَافَ الْإِنْسَانَ إِلَى التُّرَابِ وَالطِّينِ وَالْفَخَّارِ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِي حَقِّ الْإِنْسَانِ أَنَّ أَصْلَهُ الطِّينُ، وَلَيْسَ الْآدَمِيُّ طِينًا حَقِيقَةً وَلَكِنَّهُ كَانَ طِينًا، كَذَلِكَ الْجَانُّ كَانَ نَارًا فِي الْأَصْلِ.
قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ الْمُعْتَزِلِيُّ: الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْجِنِّ النَّارُ السَّمْعُ دُونَ الْعَقْلِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى بْنُ الْفَرَّاءِ: الْجِنُّ أَجْسَامٌ مُؤَلَّفَةٌ، وَأَشْخَاصٌ مُمَثَّلَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ رَقِيقَةً وَأَنْ تَكُونَ كَثِيفَةً، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّهُمْ أَجْسَامٌ رَقِيقَةٌ، وَلِرِقَّتِهَا لَا تَرَاهَا. قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: وَلَا قُدْرَةَ لِلشَّيَاطِينِ عَلَى تَغْيِيرِ خَلْقِهِمْ وَالِانْتِقَالِ فِي الصُّوَرِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُعَلِّمَهُمُ اللَّهُ كَلِمَاتٍ ضَرْبًا مِنْ ضُرُوبِ الْأَفْعَالِ إِذَا فَعَلَهَا وَتَكَلَّمَ بِهَا نَقَلَهُ اللَّهُ مِنْ صُورَةٍ إِلَى صُورَةٍ، فَيُقَالُ إِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى التَّصْوِيرِ وَالتَّخْيِيلِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى قَوْلٍ إِذَا قَالَهُ وَفَعَلَهُ نَقَلَهُ اللَّهُ عَنْ صُورَةٍ إِلَى أُخْرَى لِجَرْيِ الْعَادَةِ، وَأَمَّا أَنْ يُصَوِّرَ نَفْسَهُ فِي ذَلِكَ فَذَلِكَ مُحَالٌ؛ لِأَنَّ انْتِقَالَهَا عَنْ صُورَةٍ إِلَى صُورَةٍ إِنَّمَا يَكُونُ بِنَقْضِ الْبِنْيَةِ وَتَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ، وَإِذَا انْتَقَلَتْ بَطُلَتِ الْحَيَاةُ وَاسْتَحَالَ وُقُوعُ الْفِعْلِ مِنَ الْجُمْلَةِ، وَكَيْفَ تَنْقُلُ نَفْسَهَا؟ قَالَ: وَالْقَوْلُ فِي تَشْكِيلِ الْمَلَائِكَةِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَالَّذِي رُوِيَ أَنَّ إِبْلِيسَ تَصَوَّرَ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ، وَأَنَّ جِبْرِيلَ تَمَثَّلَ فِي صُورَةِ دِحْيَةَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَهُوَ أَنَّهُ أَقْدَرَهُ اللَّهُ عَلَى قَوْلٍ قَالَهُ فَنَقَلَهُ اللَّهُ عَنْ صُورَةٍ إِلَى صُورَةٍ أُخْرَى، قَالَ الْقَاضِي: الْجِنُّ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَنَاكَحُونَ كَمَا يَفْعَلُ الْإِنْسُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute