وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ مَنْزِلَةَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوْقَ هَذَا كُلِّهِ فِي دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ لَيْسَ فَوْقَهَا دَرَجَةٌ، وَتِلْكَ الْمِائَةُ يَنَالُهَا آحَادُ أُمَّتِهِ بِالْجِهَادِ.
وَقَالَ فِي (حَادِي الْأَرْوَاحِ) : وَالْجَنَّةُ مُقَبَّبَةٌ، أَعْلَاهَا أَوْسَعُهَا وَوَسَطُهَا وَهُوَ الْفِرْدَوْسُ، وَسَقْفُهُ الْعَرْشُ كَمَا قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ وَسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ» ".
قَالَ فِي حَادِّي الْأَرْوَاحِ: قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ الْحَافِظُ: وَالصَّوَابُ رَاوِيَةُ مَنْ رَوَاهُ فَوْقُهُ بِضَمِّ الْقَافِ عَلَى أَنَّهَا اسْمُ الظَّرْفِ، أَيْ: وَسَقْفُهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَالْجَنَّةُ جَمِيعُهَا تَحْتَ الْعَرْشِ، وَالْعَرْشُ سَقْفُهَا، فَإِنَّ الْكُرْسِيَّ وَسِعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَالْعَرْشُ أَكْبَرُ مِنْهُ، فَالْجَوَابُ: لَمَّا كَانَ الْعَرْشُ أَقْرَبَ إِلَى الْفِرْدَوْسِ مِمَّا دُونَهُ مِنَ الْجِنَانِ بِحَيْثُ لَا جَنَّةَ فَوْقَهُ دُونَ الْعَرْشِ كَانَ سَقْفًا لَهُ دُونَ مَا تَحْتَهُ مِنَ الْجِنَانِ لِعِظَمِ سَعَةِ الْجَنَّةِ، وَغَايَةُ ارْتِفَاعِهَا يَكُونُ الصُّعُودُ مِنْ أَدْنَى إِلَى أَعْلَى بِالتَّدْرِيجِ شَيْئًا فَشَيْئًا دَرَجَةً فَوْقَ دَرَجَةٍ، كَمَا يُقَالُ لِقَارِئِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْقَ، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا، وَهَذَا يَحْتَمِلُ شَيْئَيْنِ: أَنْ تَكُونَ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَ آخِرِ حِفْظِهِ، وَأَنْ تَكُونَ عِنْدَ آخِرِ تِلَاوَتِهِ لِمَحْفُوظِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَارِيخٍ أَصْبَهَانَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ جَهَنَّمَ مُحِيطَةٌ بِالدُّنْيَا، وَإِنَّ الْجَنَّةَ وَرَائَهَا، فَلِهَذَا كَانَ الصِّرَاطُ عَلَى جَهَنَّمَ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ» ".
وَأَخْرَجَ جُوَيْبِرٌ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ أَيْنَ يُجَاءُ بِجَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: " يُجَاءُ بِهَا مِنَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مُعَلَّقٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، تَصِيحُ إِلَيَّ أَهْلِي إِلَيَّ أَهْلِي، فَإِذَا كَانَتْ مِنَ الْعِبَادِ عَلَى مَسِيرَةِ مِائَةِ سَنَةٍ زَفَرَتْ زَفْرَةً، فَلَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ إِلَّا جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ يَقُولُ: رَبِّ نَفْسِي نَفْسِي» ". وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «الْبَحْرُ هُوَ جَهَنَّمُ» ". وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا فِي الزُّهْدِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبَى الْحُسَيْنِ قَالَ: الْبَحْرُ طَبَقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute