((وَ)) الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَصَّ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِـ ((بَعْثِهِ)) نَبِيًّا وَرَسُولًا ((لِسَائِرِ)) أَيْ: جَمِيعِ ((الْأَنَامِ)) كَسَحَابٍ، الْخَلْقِ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ بِالْإِجْمَاعِ، وَاخْتُلِفَ فِي إِرْسَالِهِ إِلَى الْمَلَائِكَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُرْسَلًا إِلَيْهِمْ، وَبِهَذَا جَزَمَ جَمْعٌ مُحَقِّقُونَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ عُلَمَائِنَا، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِينَ: وَنَجْزِمُ بِأَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ كَافَّةً، قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ وَأَفْضَلُهُمْ، نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. انْتَهَى.
وَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَالْقَوْلِ الثَّانِي: بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَبْعُوثٌ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَيْضًا، وَرَجَّحَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيُّ فِي الْخَصَائِصِ، وَالسُّبْكِيُّ قَبْلَهُ، وَزَادَ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلٌ إِلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأُمَمِ السَّابِقَةِ، وَزَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُعِثْتُ لِلنَّاسِ كَافَّةً» ، شَامِلٌ لَهُمْ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَرَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ الْبَارِزِيُّ، وَزَادَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ إِلَى جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِشَهَادَةِ الضَّبِّ لَهُ بِالرِّسَالَةِ، وَبِشَهَادَةِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ لَهُ أَيْضًا بِذَلِكَ، قَالَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ، وَأَزِيدُ إِلَى ذَلِكَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ إِلَى نَفْسِهِ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ فِي التَّنْبِيهَاتِ الْمُلْحَقَةِ تَحْتَ قَوْلِهِ
وَكُلُّ إِنْسَانٍ وَكُلُّ جِنَّةِ ... فِي دَارِ نَارٍ أَوْ نَعِيمِ جَنَّةِ
. فَعَاوِدْهُ.
فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ عُلِمَ يَقِينًا أَنَّ قَوْمَ نُوحٍ بَعْدَ الطُّوفَانِ كَانُوا جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَرِسَالَةُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَامَّةٌ لَهُمْ، فَالْجَوَابُ: أَنَّ عُمُومَهَا أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ إِذْ لَمْ يَسْلَمْ مِنَ الْهَلَاكِ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ، فَالْعُمُومُ صَارَ ثَانِيًا، وَبِالْعَرْضِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ لِلْجِنِّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَبْعُوثٌ إِلَى الثَّقَلَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ، وَرِسَالَتُهُ مُطْبِقَةٌ جَمِيعَ الْأَكْوَانِ، وَلَا الْتِفَاتَ لِزَعْمِ بَعْضِ مُلْحِدِي أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ خُصُوصِ رِسَالَتِهِ لِلْعَرَبِ، لِأَنَّ هَذَا مُكَابَرَةٌ بَاطِلَةٌ، وَمُغَالَطَةٌ عَاطِلَةٌ لِوُجُوهٍ بَدِيهِيَّةِ الْبُرْهَانِ، مِنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَكْذِبُ، وَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ الْقُرْآنِ {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: ١٥٨] {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: ٢٨] ثُمَّ مُقَاتَلَتُهُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَسَبْيُ زَرَارِيِّهِمْ وَاسْتِبَاحَةُ دِمَائِهِمْ، وَضَرْبُ الْجِزْيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute