سَاجِدًا وَقَالَ: رَبِّ خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي، فَإِنَّهَا أَضْعَفُ الْأُمَمِ، قَالَ: وَضَعْتُ عَنْكُمْ خَمْسًا، وَهَكَذَا إِلَى أَنْ بَقِيَتِ الْخَمْسُ» . وَهَذَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالَّذِي فِي الْمُسْنَدِ وَالصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَنَسٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَعَالَى: «حَطَّ عَنْهُ عَشْرًا ثُمَّ عَادَ فَحَطَّ عَنْهُ عَشْرًا ثُمَّ عَادَ فَحَطَّ عَنْهُ عَشْرًا» ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْوَفَاءِ، وَهَذَا أَصَحُّ لِاتِّفَاقِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنْ مَالِكٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ نَفْسِهِ أَيْضًا، وَذَكَرَ الْمُرَاجَعَةَ خَمْسَ مَرَّاتٍ، وَقَالَ عَنْ رِوَايَةِ أَنَّهُ حَطَّ خَمْسًا: غَلَطٌ مِنَ الرَّاوِي. انْتَهَى.
وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: كَوْنُ الْحَطِّ كَانَ خَمْسًا خَمْسًا أَصَحُّ، وَلَفْظُهُ: قَدْ حَقَّقْتُ رِوَايَةً ثَابِتَةً أَنَّ التَّخْفِيفَ كَانَ خَمْسًا خَمْسًا، وَهِيَ زِيَادَةٌ مُعْتَمَدَةٌ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ بَاقِي الرِّوَايَاتِ عَلَيْهَا. انْتَهَى
قُلْتُ: وَلِمُنَاقَشَتِهِ وَجْهٌ وَجِيهٌ مِنْ أُمُورٍ أَحَدُهَا: أَنَّ كَوْنَ التَّخْفِيفِ عَشْرًا عَشْرًا أَلْيَقُ بِكَرَمِ الْكَرِيمِ، الثَّانِي: اتِّفَاقُ الصَّحِيحَيْنِ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَمِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَأَمَّا كَوْنُهُ خَمْسًا خَمْسًا فَمِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ، وَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الصَّحِيحَانِ أَصَحُّ.
الثَّالِثُ: كَوْنُهُ عَشْرًا أَقَلُّ مُرَاجَعَةً. الرَّابِعُ: أَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ مِنْ كَوْنِهِ كَانَ خَمْسًا صَادِقٌ بِأَنَّ الْحَطَّ فِي الْخَامِسَةِ خَمْسٌ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْحَطَّ كَانَ خَمْسًا فِي الْجُمْلَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَوْنَ الْحَطِّ كَانَ عَشْرًا أَصَحُّ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
(تَنْبِيهَاتٌ)
(الْأَوَّلُ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى رُؤْيَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذِي الْعِزَّةِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْإِنْعَامِ، وَاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ إِنَّمَا هُوَ فِي وُقُوعِهَا، لَا فِي إِمْكَانِهَا وَجَوَازِهَا إِذْ هِيَ جَائِزَةٌ عَقْلًا وَنَقْلًا، أَمَّا الْعَقْلُ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا النَّقْلُ فَمَا كَانَ كَلِيمُ الرَّحْمَنِ لِيَسْأَلَ الْمُسْتَحِيلَ، هَذَا مِمَّا لَا يَظُنُّهُ مَنْ عَرَفَ مَنْصِبَ النُّبُوَّةِ فَضْلًا عَنِ الرَّسُولِ فَضْلًا عَنْ أَحَدِ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، لَيْتَ شِعْرِي مَنْ جَهِلَ الْوَاجِبَ وَالْجَائِزَ وَالْمُسْتَحِيلَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا عَلِمَ؟ هَذَا مِمَّا لَا يَتَصَوَّرُهُ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ يَرَى الْحَقَّ وَيَتَّبِعُهُ أَبَدًا، ثُمَّ إِنَّ رُؤْيَةَ الْبَارِي جَلَّ شَأْنُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute