وَتَقَهْقَرَ إِلَى الرَّيِّ وَفِيهَا فُتِحَتْ تَكْرِيتُ، وَفِيهَا سَارَ بِنَفْسِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَفَتَحَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ صُلْحًا وَخَطَبَ بِالْجَابِيَةِ خُطْبَتَهُ الْمَشْهُورَةَ، وَفِيهَا فُتِحَتْ قِنَّسْرِينُ عَنْوَةً، وَحَلَبُ وَأَنْطَاكِيَةُ وَمَنْبِجُ صُلْحًا، وَفِيهَا كُتِبَ التَّارِيخُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنَ الْهِجْرَةِ بِمَشُورَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَفِي السَّابِعَةَ عَشْرَةَ زَادَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، وَفِيهَا كَانَ الْقَحْطُ بِالْحِجَازِ فَسُمِّيَ عَامَ الرَّمَادَةِ، وَاسْتَسْقَى عُمَرُ بِالْعَبَّاسِ فَأَخَذَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِيَدِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ رَفَعَهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَشْفِعُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُذْهِبَ عَنَّا الْمَحْلَ وَأَنْ تَسْقِيَنَا الْغَيْثَ، فَلَمْ يَبْرَحُوا حَتَّى سُقُوا فَأَطْبَقَتِ السَّمَاءُ عَلَيْهِمْ أَيَّامًا.
وَفِي الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ فُتِحَتْ جُنْدَيْسَابُورُ صُلْحًا وَحُلْوَانُ عَنْوَةً، وَفِيهَا وَقَعَ طَاعُونُ عَمْوَاسَ، وَفِيهَا فُتِحَتِ الرُّهَاءُ وَشُمَيْسَاطُ وَحَرَّانُ وَنَصِيبِينُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْجَزِيرَةِ عَنْوَةً، وَكَذَا الْمَوْصِلُ وَنَوَاحِيهَا.
وَفِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ فُتِحَتْ قَيْسَارِيَّةُ، وَفِي سَنَةِ عِشْرِينَ فُتِحَتْ مِصْرُ عَنْوَةً وَقِيلَ صُلْحًا، وَإِسْكَنْدَرِيَّةُ عَنْوَةً، وَالْمَغْرِبُ كُلُّهُ عَنْوَةً، وَفِيهَا فُتِحَتْ تُسْتَرُ، وَفِيهَا هَلَكَ قَيْصَرُ مَلِكُ الرُّومِ، وَفِيهَا أَجْلَى عُمَرُ الْيَهُودَ عَنْ خَيْبَرَ وَعَنْ نَجْرَانَ وَقَسَّمَ خَيْبَرَ وَوَادِي الْقُرَى، وَفِي سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ فُتِحَتْ نَهَاوَنْدُ عَنْوَةً وَلَمْ يَكُنْ لِلْأَعَاجِمِ بَعْدَهَا جَمَاعَةٌ، وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ فُتِحَتْ كِرْمَانُ وَسِجِسْتَانُ وَمَكْرَانُ مِنْ بِلَادِ الْجَبَلِ وَأَصْبَهَانُ وَنَوَاحِيهَا. وَفِي آخِرِهَا كَانَتْ وَفَاةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَلِكَ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنَ الْحَجِّ.
قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: لَمَّا نَفَرَ عُمَرُ مِنْ مِنًى أَنَاخَ بِالْأَبْطَحِ، ثُمَّ اسْتَلْقَى وَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ كَبُرَتْ سِنِّي، وَضَعُفَتْ قُوَّتِي، وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلَا مُفَرِّطٍ، فَمَا انْسَلَخَ ذُو الْحِجَّةِ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، وَكَانَ قَالَ لَهُ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: إِنِّي أَجِدُكَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ تُقْتَلُ شَهِيدًا فَقَالَ: وَأَنَّى لِي بِالشَّهَادَةِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ؟ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ نَبِيِّكَ، وَكَانَ قَدْ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: رَأَيْتُ كَأَنَّ دِيكًا نَقَرَنِي نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ، وَإِنِّي لَأُرَاهُ حُضُورَ أَجَلِي، وَإِنَّ قَوْمًا يَأْمُرُونِي أَنْ أَسْتَخْلِفَ، وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيُضَيِّعَ دِينَهُ وَلَا خِلَافَتَهُ، فَإِنْ عَجَّلَ بِي أَمْرٌ فَالْخِلَافَةُ شُورَى بَيْنَ هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute