فَرَمَى عَلَيْهِ قَطِيفَةً كَانَتْ عِنْدَهُ وَاحْتَمَلَهُ وَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ وَقَعَدَ عَلَى صَدْرِهِ، وَأَمَّا شَبِيبٌ فَانْتَزَعَ السَّيْفَ مِنْ يَدِهِ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَصَرَعَهُ وَقَعَدَ عَلَى صَدْرِهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَصِيحُونَ: عَلَيْكُمْ بِصَاحِبِ السَّيْفِ فَخَافَ الْحَضْرَمِيُّ عَلَى نَفْسِهِ فَرَمَى بِالسَّيْفِ وَانْسَلَّ شَبِيبٌ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ. فَأُخِذَ ابْنُ مُلْجَمٍ فَدُخِلَ بِهِ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: إِنْ أَعِشْ فَالْأَمْرُ لِي وَإِنْ أَمُتْ فَالْأَمْرُ لَكُمْ فَالْعَفْوُ أَوِ الْقِصَاصُ.
وَاجْتَمَعَ الْأَطِبَّاءُ عِنْدَهُ وَكَانَ أَبْصَرَهُمْ بِالطِّبِّ أَثِيرُ بْنُ عَمْرٍو السَّكُونِيُّ وَكَانَ مِنْ أَطِبَّاءِ كِسْرَى، فَأَخَذَ رِئَةَ شَاةٍ حَارَّةٍ فَتَتَبَّعَ عِرْقًا مِنْهَا فَأَخْرَجَهُ فَأَدْخَلَهُ فِي جِرَاحَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ نَفَخَ الْعِرْقَ فَاسْتَخْرَجَهُ، فَإِذَا عَلَيْهِ بَيَاضُ دِمَاغٍ وَإِذَا الضَّرْبَةُ قَدْ وَصَلَتْ إِلَى أُمِّ رَأْسِهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اعْهَدْ عَهْدَكَ فَأَنْتَ مَيِّتٌ. وَسَمِعَ ابْنُ مُلْجَمٍ - لَعَنَهُ اللَّهُ - الرَّنَّةَ مِنَ الدَّارِ فَقَالَ لَهُ مَنْ حَضَرَهُ: أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ إِنَّهُ لَا بَأْسَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فَقَالَ ابْنُ مُلْجَمٍ: فَعَلَى مَنْ تَبْكِي أُمُّ كُلْثُومٍ؟ أَعَلَيَّ؟ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدِ اشْتَرَيْتُ سَيْفِي بِأَلْفٍ وَمَا زِلْتُ أَعْرِضُهُ فَمَا يَعِيبُهُ أَحَدٌ إِلَّا أَصْلَحْتُ ذَلِكَ الْعَيْبَ، وَلَقَدْ سَقَيْتُهُ السُّمَّ حَتَّى لَفَظَهُ، وَلَقَدْ ضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ عَلَى مَنْ بِالْمَشْرِقِ لَأَتَتْ عَلَيْهِمْ.
ثُمَّ مَاتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَيْلَةَ الْأَحَدِ لِتِسْعَ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ، وَغَسَّلَهُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَصَلَّى عَلَيْهِ الْحَسَنُ وَدُفِنَ بِدَارِ الْإِمَارَةِ بِالْكُوفَةِ، ثُمَّ أُحْضِرَ ابْنُ مُلْجَمٍ وَجَاءَ النَّاسُ بِالنِّفْطِ وَالْبَوَارِي وَقُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَكُحِّلَتْ عَيْنَاهُ بِمَسَامِيرِ الْحَدِيدِ مُحْمَاةً، ثُمَّ قُطِعَ لِسَانُهُ ثُمَّ أُحْرِقَ فِي قَوْصَرَةٍ، وَقِيلَ إِنَّهُ قُطِعَتْ أَطْرَافُهُ - لَعَنَهُ اللَّهُ - وَلَمْ يَتَأَوَّهْ بَلْ (كَانَ) يَتْلُو الْقُرْآنَ فَلَمَّا أَرَادُوا قَطْعَ لِسَانِهِ امْتَنَعَ مِنْ إِخْرَاجِهِ فَتَعِبُوا فِي ذَلِكَ، فَقِيلَ لَهُ: قُطِعَتْ يَدَاكَ وَرِجْلَاكَ فَمَا تَمَانَعْتَ، فَمَا هَذَا التَّمَانُعُ عِنْدَ قَطْعِ لِسَانِكَ؟ قَالَ: لِئَلَّا يَفُوتَنِي مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ وَأَنَا حَيٌّ، فَشَقُّوا شِدْقَهُ وَأَخْرَجُوا لِسَانَهُ بِكُلَّابٍ فَقَطَعُوهُ.
وَكَانَ عُمْرُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا مَاتَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سَنَةً كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، كَعُمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَلَمَّا بَلَغَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَوْتُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute