للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَوَقَعَتْ عَيْنُهُ عَلَى قَطَامِ بِنْتِ عَلْقَمَةَ مِنْ تَيْمِ الرِّبَابِ وَكَانَتْ خَارِجِيَّةً تَرَى رَأْيَ الْخَوَارِجِ، وَكَانَتْ جَمِيلَةً رَائِعَةً فِي الْجَمَالِ، فَأَعْجَبَتْهُ فَخَطَبَهَا فَقَالَتْ: آلَيْتُ أَنْ لَا أَتَزَوَّجَ إِلَّا عَلَى مَهْرٍ لَا أُرِيدُ سِوَاهُ. فَقَالَ: مَا هُوَ؟ فَقَالَتْ: ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَعَبْدٌ وَجَارِيَةٌ وَقَتْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَتَيْتُ إِلَّا لِلْفَتْكِ بِهِ وَلَا أَقْدَمَنِي هَذَا الْمِصْرَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَمَّا رَأَيْتُكِ أَرَدْتُ تَزْوِيجَكِ. فَقَالَتْ: لَيْسَ إِلَّا الَّذِي قُلْتُ لَكَ. فَقَالَ: وَمَا يُغْنِينِي مِنْكِ إِذَا أَنَا قَتَلْتُ عَلِيًّا أَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أُفْلِتْ؟ فَقَالَتْ: إِنْ قَتَلْتَهُ وَنَجَوْتَ فَهُوَ الَّذِي أَرَدْتَ تَبْلُغُ شِفَاءَ نَفْسِكَ وَيُهْنِيكَ الْعَيْشُ مَعِي، وَإِنْ قُتِلْتَ فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا. فَقَالَ لَهَا: لَكِ مَا اشْتَرَطْتِ. ثُمَّ قَالَ - لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:

ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَعَبْدٌ وَقَيْنَةٌ ... وَضَرْبُ عَلِيٍّ بِالْحُسَامِ الْمُسَمَّمِ

فَلَا مَهْرَ أَغْلَى مِنْ عَلِيٍّ وَإِنْ غَلَا ... وَلَا فَتْكَ إِلَّا دُونَ فَتْكِ ابْنِ مُلْجَمِ

فَقَالَتْ لَهُ: وَرَائِي مَنْ يَشُدُّ ظَهْرَكَ. فَبَعَثَتْ إِلَى ابْنِ عَمٍّ لَهَا يُدْعَى وَرْدَانَ بْنَ مُجَالِدٍ، فَأَجَابَهَا وَلَقِيَ ابْنُ مُلْجَمٍ شَبِيبَ بْنَ شَجَرَةَ الْأَشْجَعِيَّ فَقَالَ: يَا شَبِيبُ هَلْ لَكَ فِي شَرَفِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟ فَقَالَ: مَا هُوَ؟ فَقَالَ: تُسَاعِدُنِي عَلَى قَتْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِدًّا كَيْفَ تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: إِنَّهُ رَجُلٌ لَا حَرَسَ لَهُ وَيَخْرُجُ إِلَى الْمَسْجِدِ مُنْفَرِدًا، فَنَتَمَكَّنُ مِنْهُ وَقَدْ كَمِنَّا لَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَنَقْتُلُهُ، فَإِنْ نَجَوْنَا نَجَوْنَا وَإِنْ قُتِلْنَا فَقَدْ سَعِدْنَا بِالذِّكْرِ فِي الدُّنْيَا وَبِالْجَنَّةِ فِي الْآخِرَةِ. فَقَالَ: وَيْلَكَ إِنَّ عَلِيًّا ذُو سَابِقَةٍ فِي الْإِسْلَامِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا تَنْشَرِحُ نَفْسِي لِقَتْلِهِ. قَالَ: وَيْلَكَ إِنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ وَقَتَلَ إِخْوَانَنَا الصَّالِحِينَ، فَنَقْتُلُهُ بِبَعْضِ مَنْ قَتَلَ فَلَا تَشُكَّنَّ فِي دِينِكَ.

فَأَجَابَهُ وَأَقْبَلَا حَتَّى دَخَلَا عَلَى قَطَامِ وَهِيَ مُعْتَكِفَةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ فِي قُبَّةٍ ضَرَبَتْهَا لِنَفْسِهَا، فَدَعَتْ لَهُمَا وَأَخَذَا سَيْفَيْهِمَا وَجَلَسَا قُبَالَةَ السُّدَّةِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَخَرَجَ إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ فَبَدَرَهُ شَبِيبٌ فَضَرَبَهُ فَأَخْطَأَهُ وَضَرَبَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ: الْحُكْمُ لِلَّهِ يَا عَلِيُّ لَا لَكَ وَلَا لِأَصْحَابِكَ. فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ لَا يَفِرُّ مِنْكُمُ الْكَلْبُ. وَشَدَّ النَّاسُ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَحَمَلَ عَلَيْهِمُ ابْنُ مُلْجَمٍ فَأَفْرَجُوا لَهُ فَتَلَقَّاهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>