للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

((كَمَا اشْتُهِرَ)) ذَلِكَ مِنْ نُصُوصِ إِمَامِنَا الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالْمَلَاكُ هُوَ الْمَلَكُ وَجَمْعُهُ مَلَائِكَةٌ، وَحُذِفَتْ هَمْزَةُ مَلَاكٍ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَأَصْلُ وَزْنِهِ مَفْعَلٌ فَقِيلَ مَلَكٌ، وَقَدْ تُحْذَفُ الْهَاءُ مِنَ الْجَمِيعِ فَيُقَالُ مَلَائِكٌ، وَأَصْلُهُ مَأْلُكٌ بِتَقْدِيمِ الْهَمْزَةِ مِنَ الْأُلُوكَةِ وَهِيَ الرِّسَالَةُ ثُمَّ تَقَدَّمَتِ اللَّامُ عَلَى الْهَمْزَةِ فِي الْجَمْعِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا، ((قَالَ)) إِمَامُنَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ((وَمَنْ)) أَيُّ إِنْسَانٍ ((قَالَ)) بِلِسَانِهِ أَوِ اعْتَقَدَ بِجَنَانِهِ ((سِوَى هَذَا)) أَيْ غَيْرَ الْقَوْلِ بِتَفْضِيلِ بَنِي آدَمَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ ((افْتَرَى)) أَيْ أَتَى بِكَلَامٍ خَطَأٍ يُشْعِرُ بِالِافْتِرَاءِ، ((وَقَدْ تَعَدَّى)) أَيْ تَجَاوَزَ الْحَدَّ الْمَنْقُولَ وَالثَّابِتَ عَنِ الرَّسُولِ وَالسَّلَفِ الْفُحُولِ ((فِي الْمَقَالِ)) الَّذِي اعْتَمَدَهُ، ((وَاجْتَرَى)) أَيِ افْتَاتَ عَلَى الشَّارِعِ بِالِاعْتِقَادِ الَّذِي اعْتَقَدَهُ، وَلَفْظُ النَّصِّ: يُخْطِئُ مَنْ فَضَّلَ الْمَلَائِكَةَ.

وَقِيلَ: كُلُّ مُؤْمِنٍ أَفْضَلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ وَقَالَ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَشْهُورُ بِغُلَامِ الْخَلَّالِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: مَنْ كَانَ خَيْرُهُ أَكْثَرُ مِنْ شَرِّهِ فَهُوَ خَيْرٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَمَنْ كَانَ شَرُّهُ أَكْثَرُ مِنْ خَيْرِهِ فَالْبَهَائِمُ خَيْرٌ مِنْهُ. وَقِيلَ: مَنْ غَلَبَ عَقْلُهُ عَلَى شَهْوَتِهِ فَهُوَ خَيْرٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَمَنْ غَلَبَتْ شَهْوَتُهُ عَلَى عَقْلِهِ فَالْبَهَائِمُ خَيْرٌ مِنْهُ. هَذَا مُحَصَّلُ قَوْلِ جُلِّ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ: سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ - عَنْ صَالِحِي بَنِي آدَمَ وَالْمَلَائِكَةِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ صَالِحِي الْبَشَرِ أَفْضَلُ بِاعْتِبَارِ كَمَالِ النِّهَايَةِ، وَالْمَلَائِكَةُ أَفْضَلُ بِاعْتِبَارِ الْبِدَايَةِ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ الْآنَ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى مُنَزَّهُونَ عَمَّا يُلَابِسُهُ بَنُو آدَمَ مُسْتَغْرِقُونَ فِي عِبَادَةِ الرَّبِّ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْوَالَ الْآنَ أَكْمَلُ مِنْ أَحْوَالِ الْبَشَرِ، وَأَمَّا يَوْمُ الْقِيَامَةِ بَعْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ فَتَصِيرُ حَالُ صَالِحِي الْبَشَرِ أَكْمَلُ مِنْ حَالِ الْمَلَائِكَةِ، قَالَ: وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ يَتَبَيَّنُ سِرُّ التَّفْضِيلِ وَتَتَّفِقُ أَدِلَّةُ الْفَرِيقَيْنِ وَيُصَالِحُ كُلٌّ مِنْهُمْ عَلَى حَقِّهِ.

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: فَعَلَى الْمُتَكَلِّمِ فِي هَذَا الْبَابِ - يَعْنِي بَابَ التَّفَاضُلِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ - أَنْ يَعْرِفَ أَسْبَابَ الْفَضْلِ أَوَّلًا، ثُمَّ دَرَجَاتِهَا وَنِسْبَةَ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ وَالْمُوَازَنَةَ بَيْنَهَا ثَانِيًا، ثُمَّ نِسْبَتَهَا إِلَى مَنْ قَامَتْ بِهِ كَثْرَةٌ وَقُوَّةٌ ثَالِثًا، ثُمَّ اعْتِبَارُ تَفَاوُتِهَا بِتَفَاوُتِ مَحَلِّهَا رَابِعًا، فَرُبَّ صِفَةٍ هِيَ كَمَالٌ لِشَخْصٍ وَلَيْسَتْ كَمَالًا لِغَيْرِهِ بَلْ كَمَالُ غَيْرِهِ بِسِوَاهَا، فَكَمَالُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لِشَجَاعَتِهِ وَحُرُوبِهِ، وَكَمَالُ ابْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>