للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَبَّاسٍ بِفِقْهِهِ وَعِلْمِهِ، وَكَمَالُ أَبِي ذَرٍّ بِزُهْدِهِ وَتَجَرُّدِهِ عَنِ الدُّنْيَا، قَالَ: فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَقَامَاتٍ يَضْطَرُّ إِلَيْهَا الْمُتَكَلِّمُ فِي دَرَجَاتِ التَّفْضِيلِ، وَتَفْضِيلُ الْأَنْوَاعِ أَسْهَلُ مِنْ تَفْضِيلِ الْأَشْخَاصِ عَلَى الْأَشْخَاصِ وَأَبْعَدُ مِنَ الْهَوَى وَالْغَرَضِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

تَنْبِيهَاتٌ

(الْأَوَّلُ) قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ هُنَا ثَلَاثَ صُوَرٍ: (الْأُولَى) التَّفْضِيلُ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَفِي هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: (أَحَدُهَا) الْأَنْبِيَاءُ أَفْضَلُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْحَقِّ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَهُوَ الصَّوَابُ. (الثَّانِي) الْمَلَائِكَةُ أَفْضَلُ وَهُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَاخْتَارَهُ مِنَ الْأَشَاعِرَةِ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِنِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَالْحَلِيمِيُّ، وَفَخْرُ الدِّينِ فِي الْمَعَالِمِ وَأَبُو شَامَةَ، وَاخْتَارَ فَخْرُ الدِّينِ الْأَوَّلَ فِي الْأَرْبَعِينَ وَفِي الْمُحَصِّلِ. (الثَّالِثُ) الْوَقْفُ عَنِ الْقَوْلِ بِالتَّفْضِيلِ لِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ عَنِ الْآخَرِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي غَيْرِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَمَّا هُوَ فَأَفْضَلُ الْخَلْقِ بِلَا خِلَافٍ لَا يُفَضَّلُ عَلَيْهِ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا غَيْرُهُ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ حَكَى الْخِلَافَ كَالسُّيُوطِيِّ فِي الْحَبَائِكِ، وَالتَّاجِ السُّبْكِيِّ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ، وَالسِّرَاجِ الْبَلْقِينِيِّ فِي مَنْهَجِ الْأَصْلَيْنِ، وَبَدْرِ الدِّينِ الزَّرْكَشِيِّ، وَنَقَلَ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ إِجْمَاعَ أَهْلِ السُّنَّةِ.

(الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) التَّفَاضُلُ بَيْنَ خَوَاصِّ الْمَلَائِكَةِ وَأَوْلِيَاءِ الْبَشَرِ، وَهُمْ مَنْ عَدَا الْأَنْبِيَاءِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ زَعَمَ بَعْضُهُمْ نَفِيَ الْخِلَافِ بِأَنَّ خَوَاصَّ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ، وَنَقَلَ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ عَقَائِدِ النَّسَفِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ خَوَاصَّ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْبَشَرِ بَعْدَ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ، وَهَذَا مَرْدُودٌ وَمَدْخُولٌ، فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مُعْتَمَدَ الْقَوْلِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا وَمَنْ وَافَقَهُمْ أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ أَفْضَلُ مِنْ خَوَاصِّ الْمَلَائِكَةِ، نَعَمِ ابْنُ عَقِيلٍ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: خَوَاصُّ الْمَلَائِكَةِ مِنْ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَعِزْرَائِيلَ مَلَكِ الْمَوْتِ أَفْضَلُ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ، وَقَالَ: فِي الْقَوْلِ بِخِلَافِ هَذَا شَنَاعَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى قَائِلِهِ. كَذَا قَالَ مَعَ أَنَّهُ هُوَ نَفْسُهُ صَرَّحَ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَوْلِيَاءَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَصَحَّحَ ذَلِكَ.

(الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ) التَّفْضِيلُ بَيْنَ أَوْلِيَاءَ الْبَشَرِ وَغَيْرِ الْخَوَاصِّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>