للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١١٠٦ - بَلْ رُبَّمَا رَدُّ التَّصَرُّفَاتِ … عِبَادَةٌ فِي سَائِرِ الأوْقَاتِ

فصل في قاعدة أخرى تبنى على ذلك وهو رعاية المقاصد الأصلية.

"و" يظهر من هنا - أيضا - أن رعي المكلف المقاصد الشرعية المذكورة - المقاصد الأصلية - وتوخيه موافقتها "ربما رد التصرفات" يعني تصرفاته - أعماله - التي آتى بها راعيا ومتوخيا فيها ما ذكر "عبادة" سواء كانت من قبيل العبادات أو العادات، "في سائر الأوقات" التي يكون فيها على هذا الحال. ذلك لأن المكلف إذا فهم مراد الشارع من قيام أحوال الدنيا وأخذ في العمل على مقتضى ما فهم فهو إنما يعمل من حيث طلب منه العمل ويترك إذا طلب منه الترك فهو أبدا في إعانة الخلق على ما هم عليه من إقامة المصالح باليد واللسان والقلب. أما باليد فظاهر في وجوه الإعانات، وأما باللسان فبالوعظ والتذكير بالله أن يكونوا فيما هم عليه مطيعين لا عاصين وتعليم ما يحتاجون إليه في ذلك من إصلاح المقاصد والأعمال وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالدعاء بالإحسان لمحسنهم والتجاوز عن مسيئهم وبالقلب لا يضمر لهم شرا بل يعتقد لهم الخير ويعرفهم بأحسن الأوصاف التي اتصفوا بها ولو بمجرد الإسلام ويعظمهم ويحتقر نفسه بالنسبة إليهم إلى غير ذلك من الأمور القلبية المتعلقة بالعباد بل لا يقتصر في هذا على جنس الإنسان ولكن تدخل عليه الشفقة على الحيوانات كلها حتى لا يعاملها إلا بالتي هي أحسن كما دل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: (في كل ذي كبد رطبة أجر) وحديث تعذيب المرأة في هرة ربطتها وحديث "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة" الحديث إلى أشباه ذلك فالعامل بالمقاصد الأصلية عامل في هذه الأمور في نفسه امتثالا لأمر ربه واقتداء بنبيه عليه الصلاة والسلام فكيف لا تكون تصاريف من هذه سبيله عبادة كلها بخلاف من كان عاملا على حظه فإنه إنما يلتفت إلى حظه أو ما كان طريقا إلى حظه وهذا ليس بعبادة على الإطلاق بل هو عامل في مباح إن لم يخل بحق الله أو بحق غيره فيه والمباح لا يتعبد إلى الله به وإن فرضناه قام على حظه من حيث أمره الشارع فهو عبادة بالنسبة إليه خاصة وإن فرضته كذلك فهو خارج عن داعية حظه بتلك النسبة (١).


(١) الموافقات/ ج ٢/ ص ١٥٤ - ١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>