للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سليمان. فقال الله تعالى: (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) (١).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عصام بن رَوّاد، حدثنا آدم، حدثنا المسعودي، عن زياد مولى ابن مصعب، عن الحسن: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ) قال: ثلث الشعر، وثلث السحر، وثلث الكهانة.

وقال: حدثنا الحسن بن أحمد، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن بشار الواسطي، حدثني سُرور بن المغيرة، عن عباد بن منصور، عن الحسن: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ) واتبعته اليهود على ملكه. وكان السحر قبل ذلك في الأرض لم يزل بها، ولكنه إنما اتبع على ملك سليمان.

فهذه نبذة من أقوال أئمة السلف في هذا المقام، ولا يخفى ملخص القصة والجمع بين أطرافها، وأنه لا تعارض بين السياقات على اللبيب الفَهِم، والله الهادي. وقوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ) أي: واتبعت اليهود -الذين أوتوا الكتاب بعد إعراضهم عن كتاب الله الذي بأيديهم ومخالفتهم الرسول محمدا ما تتلوه (٢) الشياطين، أي: ما ترويه وتخبر به وتُحدثه الشياطين على ملك سليمان. وعداه بعلى؛ لأنه تضمن تتلو: تكذب. وقال ابن جرير: "على" (٣) هاهنا بمعنى "في"، أي: تتلو في ملك سليمان. ونقله عن ابن جُرَيج، وابن إسحاق.

قلت: والتضمن أحسن وأولى، والله أعلم.

وقول الحسن البصري، : "قد كان السحر قبل زمان (٤) سليمان بن داود" صحيح لا شك فيه؛ لأن السحرة كانوا في زمان (٥) موسى، ، وسليمان بن داود بعده، كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ الآية [البقرة: ٢٤٦]، ثم ذكر القصة بعدها، وفيها: ﴿وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [البقرة: ٢٥١]. وقال قوم صالح -وهم قبل إبراهيم الخليل، ، لنبيهم صالح: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ﴾ [الشعراء: ١٥٣] أي: [من] (٦) المسحورين على المشهور.

وقوله تعالى: (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) اختلف الناس في هذا المقام، فذهب بعضهم إلى أن "ما" نافية، أعني التي في قوله: (وَمَا أُنزلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) قال القرطبي: "ما" نافية ومعطوفة على قوله: (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ) ثم قال: (وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزلَ) أي: السحر (عَلَى الْمَلَكَيْنِ) وذلك أن اليهود -لعنهم الله-كانوا يزعمون أنه نزل


(١) تفسير الطبري (٢/ ٤١٤).
(٢) في جـ، ط، ب، أ، و: "ما تتلوه".
(٣) في جـ، ط،: "وعلى".
(٤) في جـ، ط، ب، أ، و: "قبل زمن".
(٥) في جـ: "زمن".
(٦) زيادة من جـ، ط.