للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

به جبريل وميكائيل فأكذبهم الله في ذلك وجعل قوله: (هَارُوتَ وَمَارُوتَ) بدلا من: (الشياطين) قال: وصح ذلك، إما لأن الجمع قد يطلق على الاثنين كما في قوله: ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ﴾ [النساء: ١١] أو يكون لهما أتباع، أو ذكرا من بينهم لتمردهما، فتقدير الكلام عنده: تعلمون الناس السحر ببابل، هاروت وماروت. ثم قال: وهذا أولى ما حملت عليه الآية وأصح ولا يلتفت إلى ما سواه.

وروى ابن جرير بإسناده من طريق العوفي، عن ابن عباس، في قوله: (وَمَا أُنزلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ) يقول: لم ينزل الله السحر. وبإسناده، عن الربيع بن أنس، في قوله: (وَمَا أُنزلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) قال: ما أنزل الله عليهما السحر.

قال ابن جرير: فتأويل الآية على هذا: واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان من السحر، وما كفر سليمان، ولا أنزل الله السحر على الملكين، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل، هاروت وماروت. فيكون قوله: (بِبَابِلَ هَارُوتَ [وَمَارُوت (١)]) من المؤخر الذي معناه المقدم. قال: فإن قال لنا قائل: وكيف وجه تقديم ذلك؟ قيل: وجه تقديمه أن يقال: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ) -"من السحر"- (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ) وما أنزل الله "السحر" على الملكين، (وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) ببابل وهاروت وماروت فيكون معنيا بالملكين: جبريل وميكائيل، ؛ لأن سحرة اليهود فيما ذكر كانت تزعم أن الله أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان بن داود، فأكذبهم الله بذلك، وأخبر نبيه محمدًا أن جبريل وميكائيل لم ينزلا بسحر، وبرأ سليمان، ، مما نحلوه من السحر، وأخبرهم أن السحر من عمل الشياطين، وأنها تعلم الناس ذلك ببابل، وأن الذين يعلمونهم ذلك رجلان، اسم أحدهما هاروت، واسم الآخر ماروت، فيكون هاروت وماروت على هذا التأويل ترجمة عن الناس، وردًا عليهم.

هذا لفظه بحروفه (٢).

وقد قال ابن أبي حاتم: حُدّثت عن عُبَيد الله بن موسى، أخبرنا فضيل بن مرزوق، عن عطية (وَمَا أُنزلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) قال: ما أنزل الله على جبريل وميكائيل السحر.

حدثنا (٣) الفضل بن شاذان، حدثنا محمد بن عيسى، حدثنا يعلى -يعني ابن أسد-حدثنا بكر (٤) -يعني ابن مصعب-حدثنا الحسن بن أبي جعفر: أن عبد الرحمن بن أبزى كان يقرؤها: (وما أنزل على الملكين داود وسليمان).

وقال أبو العالية: لم ينزل عليهما السحر، يقول: علما الإيمان والكفر، فالسحر من الكفر، فهما ينهيان عنه أشد النهي. رواه ابن أبي حاتم.


(١) زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
(٢) تفسير الطبري (٢/ ٤١٩، ٤٢٠).
(٣) في و: "وقال ابن أبي حاتم: حدثنا".
(٤) في جـ، ط، ب: "بكير".