للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بن حكيم، عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري: أنه سأل رسولَ الله : ما يَحِل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: "ما (١) فوق الإزار" (٢).

ولأبي داود أيضًا، عن معاذ بن جبل قال: سألت رسول الله عما يحل لي من امرأتي وهي حائض (٣). قال: "ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل". وهو رواية عن عائشة -كما تقدم -وابن عباس، وسعيد بن المسيب، وشريح.

فهذه الأحاديث وما شابهها حجة من ذهب إلى أنه يحل ما فوق الإزار منها، وهو أحد القولين في مذهب الشافعي ، الذي رجحه كثير من العراقيين وغيرهم. ومأخذهم (٤) أنه حريم الفرج، فهو حرام، لئلا يتوصل إلى تعاطي ما حرم الله ﷿، الذي أجمع العلماء على تحريمه، وهو المباشرة في الفرج. ثم من فعل ذلك فقد أثم، فيستغفر الله ويتوب إليه. وهل يلزمه مع ذلك كفارة أم لا؟ فيه قولان:

أحدهما: نعم، لما رواه الإمام أحمد، وأهل السنن، عن ابن عباس، عن النبي في الذي يأتي امرأته وهي حائض: "يتصدق بدينار، أو نصف دينار" (٥). وفي لفظ للترمذي: "إذا كان دمًا أحمر فدينار، وإن كان دمًا أصفر فنصف دينار". وللإمام أحمد أيضًا، عنه: أن رسول الله جعل في الحائض تصاب، دينارًا فإن أصابها وقد أدبر الدم عنها ولم تغتسل، فنصف دينار.

والقول الثاني: وهو الصحيح الجديد من مذهب الشافعي، وقول الجمهور: أنه لا شيء في ذلك، بل يستغفر الله ﷿، لأنه لم يصح عندهم رفع هذا الحديث، فإنه [قد] (٦) روي مرفوعًا كما تقدم وموقوفًا، وهو الصحيح عند كثير من أئمة الحديث، فقوله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) تفسير لقوله: (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) ونهي عن قربانهن بالجماع ما دام الحيض موجودًا، ومفهومه حله إذا انقطع، [وقد قال به طائفة من السلف. قال القرطبي: وقال مجاهد وعكرمة وطاوس: انقطاع الدم يحلها لزوجها ولكن بأن تتوضأ] (٧).

وقوله: (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) فيه ندب وإرشاد إلى غشيانهن بعد الاغتسال. وذهب ابن حزم إلى وجوب الجماع بعد كل حيضة، لقوله: (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) وليس له في ذلك مستند، لأن هذا أمر بعد الحظر. وفيه أقوال لعلماء الأصول، منهم من يقول: إنه للوجوب كالمطلق. وهؤلاء يحتاجون إلى جواب ابن حزم، ومنهم من يقول: إنه للإباحة، ويجعلون تقدم النهي عليه قرينة صارفة له عن الوجوب، وفيه نظر. والذي ينهض عليه الدليل أنه يُرَدّ الحكم إلى ما كان عليه الأمر قبل النهي، فإن كان واجبًا فواجب، كقوله تعالى:


(١) في جـ: "لك ما".
(٢) المسند (٤/ ٣٤٢) وسنن أبي داود برقم (٢١٢) وسنن الترمذي برقم (١٣٣) وسنن ابن ماجة برقم (٦٥١).
(٣) سنن أبي داود برقم (٢١٣).
(٤) في أ، و: "ومأخذه".
(٥) المسند (١/ ٢٣٠) وسنن أبي داود برقم (٢٦٦) وسنن الترمذي برقم (١٣٦) وسنن النسائي الكبرى برقم (٢٨٢).
(٦) زيادة من جـ.
(٧) زيادة من جـ، أ.