للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ٥]، أو مباحًا فمباح، كقوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢]، ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ﴾ [الجمعة: ١٠] وعلى هذا القول تجتمع الأدلة، وقد حكاه الغزالي وغيره، واختاره بعض أئمة المتأخرين، وهو الصحيح.

وقد اتفق العلماء (١) على أن المرأة إذا انقطع حيضُها لا تحل حتى تغتسل بالماء أو تتيمم، إن (٢) تعذر ذلك عليها بشرطه، [إلا يحيى بن بكير من المالكية وهو أحد شيوخ البخاري، فإنه ذهب إلى إباحة وطء المرأة بمجرد انقطاع دم الحيض، ومنهم من ينقله عن ابن عبد الحكم أيضا، وقد حكاه القرطبي عن مجاهد وعكرمة عن طاوس كما تقدم] (٣). إلا أن أبا حنيفة، ، يقول (٤) فيما إذا انقطع دمها لأكثر الحيض، وهو عشرة أيام عنده: إنها تحل بمجرد الانقطاع ولا تفتقر إلى غسل [ولا يصح لأقل من ذلك المزيد في حلها من الغسل ويدخل عليها وقت صلاة إلا أن تكون دمثة، فيدخل بمجرد انقطاعه] (٥) والله أعلم.

وقال ابن عباس: (حَتَّى يَطْهُرْنَ) أي: من الدم (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) أي: بالماء. وكذا قال مجاهد، وعكرمة، والحسن، ومقاتل بن حيان، والليث بن سعد، وغيرهم.

وقوله: (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) قال ابن عباس، ومجاهد، وغير واحد: يعني الفَرْج؛ قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) يقول في الفرج ولا تَعْدوه (٦) إلى غيره، فمن فعل شيئا من ذلك فقد اعتدى.

وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة: (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) أي: أن تعتزلوهن. وفيه دلالة حينئذ على تحريم الوطء في الدبر، كما سيأتي تقريره قريبًا.

وقال أبو رَزين، وعكرمة، والضحاك وغير واحد: (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) يعني: طاهرات غير حُيَّض، ولهذا قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) أي: من الذنب وإن تكرر (٧) غشْيانه، (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) أي: المتنزهين عن (٨) الأقذار والأذى، وهو ما نهوا عنه من إتيان الحائض، أو في غير المأتى.

وقوله: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) قال ابن عباس: الحرث موضع الولد (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) أي: كيف شئْتم مقبلة ومدبرة في صِمام واحد، كما ثبتت بذلك الأحاديث.

قال البخاري: حدثنا أبو نُعيم، حدثنا سفيان عن ابن المنْكَدر قال: سَمعت جابرًا قال: كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول، فنزلت: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) ورواه داود (٩) من حديث سفيان الثوري به (١٠).


(١) في جـ: "جمهور العلماء".
(٢) في جـ: "أو".
(٣) زيادة من جـ، أ.
(٤) في جـ: "إلا أبا حنيفة وصاحبيه فإنهم يقولون".
(٥) زيادة من جـ.
(٦) في جـ: "ولا تعداه".
(٧) في جـ: "وإن تكون".
(٨) في جـ، أ: "من".
(٩) في جـ، أ، و: "ورواه مسلم وأبو داود".
(١٠) صحيح البخاري برقم (٤٥٢٨).