للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الغرض خاصة١، هذا ولو أننا فسرنا التمني بمعنى القراءة فإن معنى ذلك أن يلقي الشيطان في قراءة كل نبي كلامًا ليفتن به الناس ثم ينسخه الله بعد ذلك، وهذا ما لم يقع للأنبياء من قبل كما عرفنا من تاريخهم، وذلك فضلًا عن أن كثيرًا من الأنبياء لم تنزل عليهم كتب حتى يغير الشيطان فيها، ثم ينسخ الله بعد ذلك ما يفعله الشيطان. على أن سنة الله في رسله وأنبيائه أن يؤلف حولهم القلوب في مبدأ دعواتهم بإجراء المعجزات والخوارق على أيديهم، بدل أن يمكن الشيطان من إلقاء الفتنة وإشعالها بين أتباعهم بنسخ ما ينزل عليهم فينفر الناس منهم ويضعف الثقة بهم.

والآية -حينئذ- تفسر على النحو الواضح المألوف في لغة العرب٢، ويكون المعنى: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى هداية قومه ألقى


١ كذا قال، وهذا باطل، وقد أنكر المؤلف بذلك الصواب المشهور. وأنكر استعمال العرب، وكذلك غير هذا البيت، كما في "مجاز القرآن" ٢/ ٥٤. و"تاج العروس" ٢٠/ ٢٠٢، و"زاد المسير" ٥/ ٤٤٢ وغير ذلك.
وقال ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٤٤١ قوله تعالى: {تَمَنَّى} قال الأكثرون: تلا. وقال ابن القيم في "إغاثة اللهفان" ١/ ٩٣ في فصل الاستعاذة: السلف كلهم على أن المعنى: إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته.
وجزم بذلك ابن جرير ١٧/ ١٩٠.
ولو شئنا نعدد من قال ذلك أو جزم به، لسودنا صفحات كثيرات، حتى عند من يذهب إلى تضعيف حادثة الغرانيق، ويجيب عليها ويستدل كالقرطبي مثلًا.
٢ لكن أيضًا في معنى تمنى غير ذلك من المعاني، كما تجده في كتب اللغة، ككذب مثلًا، واختلق. والأصل في التفسير أنه إذا جاء في السُّنة ما يفسر الآية، أو في القرآن لم يعدل عن ذلك، لأن القرآن يفسر بعضه بعضًا، وكذلك السُّنة تفسر القرآن. فلذلك القول أبدًا برجوع التفسير للسُنة إن ثبت بذلك شيء.
وبه يعلم أن تفسير الآية متعلق بثبوت حادثة الغرانيق، أو وهائها، لا بالمألوف في اللغة أو الأكثر استعمالًا مثلًا.
ولو جرى القول بتفسير القرآن على المألوف مطلقًا، دون الرجوع لآيات أخرى، وأحاديث صحيحة، وروايات عن السلف لفسرنا كثيرًا من القرآن على غير المراد به.

<<  <   >  >>